الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

الباب الثالث في مراعاة أحوال التأليف وبيان ظهور المعاني المركبة

صفحة 138 - الجزء 2

  فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسى نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول، ويروهم آيات المقدرة، من سقف فوقهم مرفوع، ومهاد تحتهم موضوع، ومعايش تحييهم، وآجال تفنيهم، وأوصاب تهرمهم، وأحداث تتابع عليهم، ولم يخل الله سبحانه خلقه من نبي مرسل، أو كتاب منزل، أو حجة لازمة، أو محجة قائمة، رسل لا تقصر بهم قلة عددهم، ولا كثرة المكذبين لهم من سابق سمى له من بعده، أو غابر عرفه من قبله، على ذلك نسلت القرون، ومضت الدهور، وسلفت الآباء، وخلقت الأنباء، فهذه نكتة عجيبة ضمنها ما كان من بعثة الأنبياء وتبليغهم للشرائع وصبرهم على أداء ما حملوه

  النكتة العاشرة يذكر فيها بعث الرسول ÷، واصطفاء الله له

  قال ثم إن الله بعث محمدا ÷ لإنجاز عدته، وإتمام نبوته، مأخوذا على النبيين ميثاقه، مشهورة سماته، كريما ميلاده، وأهل الأرض يومئذ ملل متفرقة، وأهواء منتشرة، وطوائف متشتتة، بين مشبه لله بخلقه، أو ملحد في اسمه، أو مشير إلى غيره، فهداهم به من الضلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة، ثم اختار سبحانه لمحمد ÷ لقاءه، ورضى له ما عنده، وأكرمه عن دار الدنيا، ورغب به عن مقام البلوى، فقبضه إليه كريما، ÷، ثم خلف فيكم ما خلفت الأنبياء في أممها، كتاب ربكم مبينا حلاله، وحرامه، وفضائله وفرائضه وناسخه، ومنسوخه ورخصه وعزائمه، فهذه النكت قد جمعناها من كلامه هاهنا مثالا للإطناب ليتفطن الناظر أنه لا وادى من أودية البلاغة إلا وقد سلكه، ولا زمام من أزمة الفصاحة إلا وقد استولى عليه بفكره وملكه فصار أوفر البلغاء في البلاغة نصيبا وسهما، وأكثرهم بها في الإحاطة علما وفهما، وحق لكلامه عند ذاك أن يقال فيه إنه كنيف مليء علما.

  النوع الرابع فيما ورد من كلام البلغاء في الإطناب،

  فمن ذلك ما قاله ابن الأثير في وصف بستان:

  هو جنة ذات ثمار مختلفة الغرابة، وتربة منجبة وما كل تربة توصف بالنجابة، ففيها المشمش الذي يسبق غيره بقدومه، ويقذف أيدي الجانين بنجومه، فهو يسمو بطيب الفرع والنجار، ولو نظم في جيد الحسناء لاشتبه بقلادة من نضار، وله زمن الربيع الذي هو