الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

الباب الثالث في مراعاة أحوال التأليف وبيان ظهور المعاني المركبة

صفحة 153 - الجزء 2

  المثال الثالث من كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه،

  ولقد كان له # من الاستدراجات الرائقة خاصة مع معاوية، وفرق الخوارج وغيرهم ممن نكص عن الإسلام على عقبيه، ولغيرهم من أصحابه من العنايات الحسنة ما يشفى غليل الصدور، ويوضح ملتبسات الأمور، فمن ذلك ما ذكرناه خطابا لمعاوية فاتق الله يا معاوية في نفسك، وجاذب الشيطان قيادك، فإن الدنيا منقطعة عنك، والآخرة قريبة منك، فكيف أنت إذا انكشف عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا قد بهجت بزينتها، وخدعت بلذتها، دعتك فأجبتها، وقادتك فأتبعتها، وأمرتك فأطعتها، وإنه يوشك أن يقفك واقف على ما لا ينجيك منه منج، فاقعس عن هذا الأمر، وخذ أهبة الحساب، وشمر لما نزل بك، ولا تمكن الغواة من سمعك، فهذا وما شاكله استدراج وحسن ملاطفة، وله # في غير هذا الموضع كلام فيه خشونة عظيمة، ومن ذلك ما قاله لعبد الله بن عباس عند استخلافه إياه على البصرة: سع الناس بوجهك ومجلسك وحلمك، وإياك والغضب فإنه طيرة من الشيطان، واعلم أن ما قربك من الله بعدك من الشيطان والنار، وما باعدك من الله يقربك من النار والسلام، ومن ذلك يخاطب به معاوية، مناصحة له وتقريبا له من الحق:

  أما بعد فإن الله جعل الدنيا لما بعدها، وابتلى فيها أهلها ليعلم أيهم أحسن عملا، ولسنا للدنيا خلقنا، ولا للسعى فيها أمرنا، وإنما وضعنا فيها لنبتلى بها، وقد ابتلانى الله بك وابتلاك بي، فجعل أحدنا حجة على الآخر، فغدوت على طلب الدنيا بتأويل القرآن، فطلبتنى بما لم تجن يدي ولا لساني، وعصيته أنت وأهل الشأم، وألب عالمكم جاهلكم، وقائمكم قاعدكم، فاتق الله في نفسك، ونازع الشيطان قيادك، واصرف إلى الآخرة وجهك، فهي طريقنا وطريقك، واحذر أن يصيبك الله بعاجل قارعة تمس الأصل، وتقطع الدابر، فإني أولى لك بالله ألية غير فاجرة، لئن جمعتنى وإياك جوامع الأقدار لا أزال بساحتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين. وقال أيضا مخاطبا له أما بعد، فقد علمت إعذارى فيكم، وإعراضى عنكم، حتى كان ما لا بد منه، ولا مدفع له، والحديث