الباب الثالث في مراعاة أحوال التأليف وبيان ظهور المعاني المركبة
  طويل، والكلام كثير. وقد أدبر من أدبر وأقبل من أقبل، فتابع من قبلك، وأقبل إلى في وفد من أصحابك والسلام، وقال يخاطبه بالاستدراج: أما بعد فإني على التردد في جوابك، والاستماع إلى كتابك، لموهن رأيي ومخطئ فراستى، وإنك إذ تحاولنى الأمور، وتراجعني السطور، كالمشتغل النائم، تكذبه أحلامه، والمتحير القائم ينهضه مقامه لا يدرى أله ما يأتي أم عليه، ولست به، غير أنه كل شبيه، وأقسم بالله لولا بغض الاستبقاء لوصلت منى إليك قوارع تقرع العظم، وتنهس اللحم، واعلم أن الشيطان قد ثبطك عن أن تراجع أحسن أمورك، وتأذن لمقال نصيحك والسلام، وقال يخاطب طلحة والزبير بالملاطفة العجيبة: أما بعد فقد علمتما وإن كتمتما أنى لم أرد الناس حتى أرادونى، ولم أبايعهم حتى بايعوني، وأنكما ممن أرادني وبايعني، وأن العامة لم تبايعني لسلطان غالب، غاضب، ولا لغرض حاضر، فإن كنتما بايعتمانى طائعين، فارجعا وتوبا إلى الله من قريب، وإن كنتما بايعتمانى كارهين فقد جعلتما لي عليكما السبيل، بإظهاركما الطاعة، وإسراركما المعصية، ولعمري ما كنتما بأحق من المهاجرين بالتقية والكتمان، وإن دفعكما هذا الأمر من قبل أن تدخلا فيه كان أوسع عليكما من خروجكما منه بغير إقراركما به، وقد زعمتما أنى قتلت عثمان، فبينى وبينكما من تخلف عنى وعنكما من أهل المدينة، ثم يلزم كل امرئ بقدر ما احتمل، فارجعا أيها الشيخان عن رأيكما فإن الآن أعظم أمركما العار من قبل أن يجتمع العار والنار والسلام، وقال أيضا يخاطب محمد بن أبي بكر لما بلغه توجده عليه حين عزله بالأشتر: وقد بلغني موجدتك من تسريح الأشتر إلى عملك وإني لم أفعل ذلك استبطاء لك في الجهد، ولا ازديادا في الحد، ولو نزعت ما تحت يدك من سلطانك لوليتك ما هو أيسر عليك مئونة وأعجب إليك ولاية، إن الرجل الذي كنت وليته أمر مصر كان رجلا لنا ناصحا، وعلى عدونا شديدا ناقما، فرحمه الله، فلقد استكمل أيامه، ولاقى حمامه، ونحن عنه راضون، أولاه الله رضوانه، وضاعف الثواب له، فاصحر لعدوك وامض على بصيرتك، وشمر لحرب من حاربك، وادع إلى سبيل ربك، وأكثر الاستعانة بالله، يكفك ما أهمك ويعنك على ما