الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز،

يحيى بن حمزة (المؤيد بالله) (المتوفى: 749 هـ)

الفصل الأول في بيان فصاحة القرآن

صفحة 223 - الجزء 3

  من قال بها فحصل من مجموع ما ذكرناه هاهنا أنه لا وجه لجعل دلالته على الأسرار والمعاني وجها في إعجازه لأن غيره مشارك له في هذه الخصلة، وما وقعت فيه الشركة فلا وجه لاختصاصه وجعله وجها في كونه معجزا.

  المذهب السابع قول من زعم أن الوجه في إعجازه هو البلاغة،

  وفسر البلاغة باشتماله على وجوه الاستعارة، والتشبيه، والفصل، والوصل، والتقديم، والتأخير، والإضمار، والإظهار، إلى غير ذلك، وهؤلاء إن أرادوا بما ذكروه أنه صار فصيحا بالإضافة إلى ألفاظه، وبليغا بالإضافة إلى معانيه، ومختصا بالنظم الباهر، فهذا جيد لا غبار عليه كما سنوضحه عند ذكر المختار، وإن أرادوا أنه بليغ بالإضافة إلى معانيه دون ألفاظه، فهو خطأ، فإنه صار معجزا باعتبار ألفاظه ومعانيه جميعا، وغالب ظني أن هذا المذهب يحكى عن أبي عيسى الرماني.

  المذهب الثامن قول من زعم أن الوجه في إعجازه هو النظم،

  وأراد أن نظمه وتأليفه هو الوجه الذي تميز به من بين سائر الكلام فهؤلاء أيضا يقال لهم ما تريدون باختصاصه بالنظم، فإن عنيتم به أن نظمه هو المعجز من غير أن يكون بليغا في معانيه، ولا فصيحا في ألفاظه، فهو خطأ، فإن الإعجاز شامل له بالإضافة إلى كلا الأمرين جميعا، وإن عنيتم أنه مختص بالبلاغة والفصاحة، خلا أن اختصاصه بالنظم أعجب وأدخل، فلهذا كان الوجه في إعجازه فهذا خطأ، فإن مثل هذا لا يدرك بالعقل، أعنى تميزه بحسن النظم عن حسن البلاغة والفصاحة، وأيضا فإن ما ذكروه تحكم لا مستند له عقلا ولا نقلا، وأيضا فإنا نقول: هل يكون النظم وجها في الإعجاز مع ضم البلاغة والفصاحة إليه، أو يكون وجها من دونهما، فإن قالوا بالأول فهو جيد، ولكن لم قصروه على النظم وحده ولم يضموهما إليه؟ وإن قالوا: إنه يكون منفردا بالإعجاز من دونهما، فهذا خطأ أيضا، فإن نظم القرآن لو انفرد عن بلاغته وفصاحته لم يكن معجزا بحال.