المقدمة الرابعة في ذكر مفهوم الفصاحة والبلاغة وبيان التفرقة بينهما
  المثال الثاني فيما يتعلق بالحكم والآداب
  كقوله ÷: «من عرف نفسه عرف ربه» وقال: «ما هلك امرؤ عرف قدره» وقال:
  «رب حامل فقه غير فقيه، ورب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه». وقوله: «المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء، وعودوا كل جسم ما اعتاد».
  وقال: «الطمع فقر واليأس عناء» وقوله: «إنه من خاف البيات أدلج ومن أدلج في المسير وصل» وقوله «كرم الكتاب ختمه» وقوله: «رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس» وقوله: «من سعادة المرء أن يكون له وزير صالح» وقوله: «من سوّد علينا فقد أشرك في دمائنا» وقوله «المؤمن أخو المؤمن يسعهما الماء والشجر ويتعاونان على الفتان» وقوله # «الجار قبل الدار والرفيق قبل الطريق».
  فلينظر المتأمل ما اشتملت عليه هذه الكلم القصيرة من المعاني الجمة والنكت العديدة، مع نهاية البلاغة ووقوعه في الفصاحة أحسن موقع.
  المثال الثالث في الأدعية والتضرعات
  كقوله #: «اللهم باعد بيني وبين الخطايا كما باعدت ما بين المشرق والمغرب ونقني من الذنوب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس» وقوله #: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح» وقوله #: «اللهم يا أرحم الراحمين إليك أشكو ضعف قوتى وقلة حيلة وهوانى على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين، وأنت ربى، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمرى فإن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي» إلى غير ذلك من أنواع التحميد، والتقديس، والجؤار(١) والتضرع بالكلام البالغ، واللفظ الفصيح.
  الضرب الثالث من كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه، «فإنه البحر الذي قد زخر عبابه والمثعنجر الذي
(١) الجؤار: رفع الصوت مع تضرع واستغاثة. يقال جأر الرجل إلى الله ø إذا تضرع بالدعاء. انظر لسان العرب (جأر).