قوله تعالى: {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا 24}
  العام، والرجوع عنهم، والدخول في السنة المقبلة إلى البيت الحرام، فأطلق له الرجوع عنهم، والترك لمقاتلتهم؛ لما ذكر سبحانه، فمن كان بمكة ممن كان بمكة من المؤمنين والمؤمنات؛ لئلا يطؤوهم فيقتلوهم بغير علم، فتصيبهم منهم معرة عند الله بالحكم. والمعرة ها هنا فهي: الدية، لا ما قال غيرنا به فيها من الإثم، وكيف يأثم من بر وكرم، وقاتل على الحق - كما ذكر الله ø - من خالفه من الخلق؛ فقتل مؤمنا بغير علم ولا تعمد، وهو إنما قتله وهو يحسبه كافرا، ويظنه في دين الله فاجرا، فهو - والحمد لله - في ذلك غير آثم، ولا متعد في فعله ولا ظالم؛ ولكنه مخطئ فعليه ما على مثله، وهو ما ذكر الله في قوله حين يقول: {ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله}[النساء: ٩٢]. وإنما جعل عليه العتق والدية تعظيما لقتل المؤمن، وتشديدا على المؤمنين في التثبت والتبيين، عند قتال الكافرين، كما قال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}[الحجرات: ٦].
  وأما معنى قوله سبحانه: {من بعد أن أظفركم عليهم} - فهو: الحكم لهم من الله ø بالنصر إذ نصروه، ومن ذلك ما قال ذو العزة والجلال: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}[محمد: ٧]، ولا نصر يكون أكبر من نصره لرسول الله صلى الله عليه وآله ومن معه من المؤمنين، فحكم الله سبحانه لهم على أعدائه بالنصر إذا التقوا، وبالغلبة إن احتربوا؛ ألا تسمع كيف يقول: {ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا ٢٢ سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ٢٣}[الفتح]، يقول: حكم الله للمؤمنين بالنصر على الفاسقين، ولن تجد لما حكم به رب العالمين للمؤمنين تبديلا؛ فهذا معنى الآية وتفسيرها، لا كما قال من نسب إلى الله جل ثناؤه فاحش المقال، من جبر العباد على الخير، وإدخالهم في كل شر وضير.