قوله تعالى: {وكل شيء فعلوه في الزبر 52 وكل صغير وكبير مستطر 53 إن المتقين في جنات ونهر 54 في مقعد صدق عند مليك مقتدر 55}
  ببعض، وإنما كان آدم صلصلا من بعد تصوير الله له جسما من صلصال، قبل أن ينقله إلى اللحم والعظم والدم، ومن قبل الصلصال كان طينا لازبا رطبا منعلكا. {خلق الجان من مارج من نار}، والجان هي: الجن كلها، والمارج الذي خلقت الجن منه فهو: اللسان الذي ينقطع ويذهب في الهوى من النار إذا أججت وأوقدت، وهو خالص النار وحقيقتها. وإنما سمي مارجا لمرجه في الهواء، ومرجه فهو: ذهابه وسرعته، تقول العرب: «فلان قد مرج»، أي: قد ذهب في معناه وأسرع. {فبأي آلا ربكما تكذبان ١٦ رب المشرقين ورب المغربين ١٧}، فقد تقدم تفسير: {فبأي آلاء ربكما تكذبان}، والمشرقان والمغربان فهما: مشرقا الشمس والقمر، ومغرباهما: من حيث يطلعان في الصيف ويغيبان؛ وذلك أن لهما في الشتاء مطلع ومغرب، وفي الصيف مطلع ومغرب غير مطلع الصيف ومشرقه. {مرج البحرين يلتقيان ١٩ بينهما برزخ لا يبغيان ٢٠}، {مرج البحرين} معناهما: خلقهما وجعلهما، وبعثهما وإخراجهما، وإسباحهما على وجه الأرض، كاحتجاجنا في قوله: {مرج}، وفي قول العرب: «مرج الإنسان»، وقد تقدم شرح ذلك في أول السورة. والبحران فهما: البحر المالح، والبحر العذب، وهو: الذي يسمى دجلة، والبحر المالح: الذي بمصر إلى فارس، وهما يلتقيان بموضع يقال له: رأس نهر السند عند مقصاه من البصرة. ومعنى: {يلتقيان} فهو: جعلهما يلتقيان ويصطدمان، وقدرهما على ذلك سبحانه من الشأن، فيلتقي البحران، حتى ينظر إليهما الناظر بالعينين، وتقف السفن على ملتقاهما، فينظر شق السفينة، هذا أخضر، وشقها هذا أبيض، يشرب من يمينها مالحا، ومن يسارها عذبا، ليس بينهما سبب يحجزهما ولا معنى. {بينهما برزخ لا يبغيان}، والبرزخ فهو: فعل الله تبارك وتعالى فيهما، وتقديره لالتقائهما واصطدامهما، وما حجزهما به من قدرته سبحانه عن اختلافهما، كما قال ذو الجلال والسلطان: {بينهما برزخ لا يبغيان}، ومعنى: {يبغيان} فهو: