قوله تعالى: {وكل شيء فعلوه في الزبر 52 وكل صغير وكبير مستطر 53 إن المتقين في جنات ونهر 54 في مقعد صدق عند مليك مقتدر 55}
  وتأخيركم، فإذا أفنينا هذه المدة، وفرغنا منها - أتى كلا ما أوعدناه عند فناء مدته، وانقضاء مهلته وإمهاله، من موت أو حلول نقم؛ فهذا معنى: {سنفرغ لكم}. والثقلان فهما: الجن والإنس، وقد يكون المعنى الذي ذكر الله: أنه يفرغ منه - هو: مدة الدنيا، التي جعلها ووقتها، ويكون عند فراغه منها وإفنائه - ما يكون من الجزاء في يوم الدين، جزاء المثابين، وجزاء المعاقبين. {يا معشر الجن والإنس}، إلى قوله: {إلا بسلطان}: هذا إخبار من الله سبحانه وتوقيف للثقلين على عجزهما، وأنهما غير خارجين من قدرة الله ولا إرداته، ولا ما جعلها مسكنا من الأرض والهواء، {إلا بسلطان}، والسلطان فهو: السبب من الواحد الرحمن، يقول: لا تنفذونه، أي: لا تقطعونه ولا تجوزونه ولا تخرجون منه إلا أن يشاء الله ذلك، فيقدركم على ما يشاء، وينقلكم إلى ما يحب من الأشياء؛ فهذا معنى السلطان الذي ذكره العلي الأعلى. {يرسل عليكما شواظ من نار}، الشواظ فهو: اليسير من النار، وهو: اللهب. {ونحاس}، فالنحاس هو: الدخان. {فلا تنتصران}، يقول: إن نزل بكم ما ذكرنا، وأرسلناه عليكم كما قلنا - لم يكن عندكم لأنفسكم انتصار ولا امتناع. {فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان}: هذا يوم الدين، عند تبديل السماء، فحينئذ تنشق للبواد والفناء، ثم تعود وردة كالدهان، والوردة فإنما هي: مثل مثله الله تبارك وتعالى، يخبر أنها تكون عند تمحقها وتقطعها كاصفرار الورد. {كالدهان}، يقول: يكون لونها كلون الوردة، ويكون بعد هذا التجسيم كالدهان، والدهان فهو: المهل الذي شبه الله به في غير هذا الموضع، وهو: ماء القطران وصفوه؛ فأخبر سبحانه: أنها تكون كهذا الدهن عند رجوعها إلى الدخان الذي منه خلقت، بعدما هي عليه اليوم من العظم والجسم الذي عليه جعلت. {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان}، معنى {لا يسأل} هو: لا يسأل عن استفادة أمر مجهول، وإنما يسأل للتقريع والإخزاء، لا على أن يعلم منه شيء من الأشياء.