قوله تعالى: {وكل شيء فعلوه في الزبر 52 وكل صغير وكبير مستطر 53 إن المتقين في جنات ونهر 54 في مقعد صدق عند مليك مقتدر 55}
  والشهور والسنين والأزمان. {والنجم والشجر يسجدان}، فسجودهما هو: سجود من سجد لعظمة خالقهما، ممن تفكر في عجيب أمرهما وتصويرهما، وما في خلقهما من العبر والآيات، من ارتفاع النجوم ونورها، ومجاريها وسيرها، واعتدالها في فلكها وتقويمها، وغير ذلك من عجيب حالاتها، وكذلك الشجر في اختلافه وثمره، وما ترى فيه من تدبير خالقه، واختلاف ألوانه وطعمه، وعجيب فعل الله في تغذيته وتنقيله، من حال الصغر والفساد، إلى حال الانتهاء ومنافع العباد، فلما أن كان سجود من يسجد لله من المؤمنين، العارفين بالله المعتبرين، المستدلين عليه بما خلق من المخلوقين، من أجل ما يرون من آيات الله في خلق البشر، وعجيب ما فعل في النجوم والشجر - جاز أن يقول: {يسجدان}، وإن كان الساجد غيرهما من الإنسان، كما جاز أن يقال: إن الله زين للكافرين أعمالهم، وأغفل عن ذكره قلوبهم، وذلك قوله سبحانه: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا}، وقوله: {زينا لهم أعمالهم}، والتزيين من الله فهو: الإملاء والتأخير، والنظرة والتعمير، وكذلك الإغفال فهو: ترك التوفيق لهم والتسديد، والعون من الله والتأييد، فلما أن كان من الله السبب الذي كان به غفلة قلوبهم واكتسابهم لذلك - جاز أن يقول: أغفل الله قلوبهم. وكذلك التزيين لأعمالهم: لما أن كان من الله السبب الذي كان به التزيين - جاز أن يقال: زين الله لهم أعمالهم، لا أن الله فعل التزيين للكفرة، ولا شاءه ولا أراده منهم، ولا ارتضاه ولا أغفل سبحانه عن ذكره قلوبهم؛ بل نهاهم عن ذلك، وعاقب من كان من الخلق كذلك؛ فعلى هذا المثال والمجاز من قول الله - جاز أن يقال: {النجم والشجر يسجدان}، وإن كانا في أنفسهما لعدم استطاعة التخيير لم يسجدا؛ ولكن لعجيب تدبير الله وصنعه فيهما؛ إذ أسجدا عباده المعتبرين، وأخشعا من كان ذا خشية لرب العالمين. وأما قوله: {والسماء رفعها ووضع الميزان ٧ ألا تطغوا في الميزان ٨ وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ٩}: