قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله}
  حملتهم الحمية الجاهلية، والعصبية والأنفة والباطل، عن أن يكونوا هم وغيرهم في الحق سواء، وأن يناصفوا أحدا في الحق، فكفروا من بعد إيمانهم، وأبدوا العداوة للرسول صلى الله عليه وآله حين ناصف بينهم، وبين من هو دونهم في الحق، وساوى بينهم في النصفة، ومنعهم من تجبر الجاهلية وتكبرها، وتعفرتها وظلما، فرجعوا بعد أن آمنوا برسول الله كافرين به، جاحدين لنبوته، طاعنين عليه، مغتمين من جواره، كارهين لقربه؛ فسقا وظلما، وتجبرا وكفرا؛ فأخبر الله سبحانه أن الذي أنزل بهم في كتابه من اللعن والتنقص، وما افترض على المسلمين من البراء منهم، ومنعه لنبيئه من الوقوف على قبر من مات منهم، وما أمره به نبيئه من مجاهدتهم، والغلظة عليهم، وغير ذلك مما أمر به فيهم هو: لكفرهم بعد إيمانهم، ولنقضهم العهود بعد توكيدها؛ ألا تسمع كيف يقول الله سبحانه: {فطبع على قلوبهم}، يقول سبحانه: شهد على نفوسهم بالطبع، والانقفال عن الهدى، والإعراض عن التقوى، وأخبر أن ذلك كله لخذلان الله لهم، يقول: أنزل الخذلان على قلوبهم، فتحيروا وحل بهم خذلان الله فهلكوا، ورانت المعاصي على قلوبهم، فعموا، {فهم لا يفقهون}، يقول: فهم لا يهتدون للرشد فيتبعوه، ولا يجدون من دون الله توفيقا، فيستعينوا به على أمرهم، فهم منغمسون في الضلال والعمى، زائغون عن الحق والهدى، متمادون في الحمية والردى.
  ثم أخبر سبحانه نبيئه صلى الله عليه وآله بصفاتهم فقال: {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن تقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون}، فدل رسوله عليهم بصفاتهم، بعد أن دلهم عليهم بأسمائهم، فقال: {وإذا رأيتهم}، يقول: إذا أبصرتهم وعاينتهم يمشون مقبلين أعجبتك أجسامهم، يقول: أعجبك خلق الله لأبدانهم، وعجب ما قدر فصور من أعضائهم، وحسن من تصويرهم، وأتقن