سورة التغابن
  [أنه] بكل ما يفعلون عليم؛ فـ {خبير} معناها: عليم، أي: لا يسقط عنه من ذلك صغير ولا كبير، يسير كان ولا كثير.
  {يوم يجمعكم ليوم الجمع}، معنى {يوم} فهو: يوم القيامة، ومعنى {يجمعكم} فهو: يحشركم ويبعثكم، ويأتي بكم من آفاق الأرض إلى هذا المقام، الذي جعله لكم محشرا، ولجميعكم موقفا. {ليوم الجمع} لهم، فمعنى {ليوم} فهو: إلى يوم. {الجمع} فهو: الحشر للخلق، والجمع لهم إلى موقف الحق. {ذلك يوم التغابن}، معنى {ذلك} فهو: دلالة على ذلك اليوم؛ ألا تسمع كيف يقول: {ذلك يوم التغابن}، يخبر سبحانه: أن ذلك اليوم هو يوم التغابن، و التغابن فهو: التفاضل؛ معنى التفاضل فهو: حين يفضل بعض الناس بعضا، ويغبن بعضهم في ذلك اليوم بعضا، بما يستأهله بعض الناس دون بعض، من الثواب العظيم، و العطاء الجسيم؛ جزاء على ما كان من فعلهم، في دار دنياهم وعملهم، يغبن بعضهم في عطاء الله بعضا، بما يستأهله من ثواب ربه، جزاء على فعله؛ فشبه الله سبحانه تفاضلهم في الآخرة في ثواب الله بتفاضلهم فيما يتفاضلون، ويتغابنون به في دنياهم؛ ألا ترى أن من نال حظا في الدنيا، ولم ينله صاحبه، قال: «غبنتني»، أي: فضلتني، واستأثرت به وفيه علي؛ فكل من كان له فضل في شيء فهو غابن للمفضول، والمفضول مغبون، والفاضل غابن؛ فضرب الله مثلا لهم: تفاضل الآخرة وتغابنها بتفاضل الدنيا ومغابنة من فيها؛ حضا لهم على العمل بطاعته، و تحذيرا للتغابن في عظيم عطائه في دار آخرته، في يوم الحسرة والندامة، وطلب الإقالة حين لا إقالة.
  ثم قال سبحانه: {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا نكفر عنه سيئاته وندخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}، معنى {من يؤمن بالله} فهو: الذي يؤمن بالله، ومعنى {يؤمن} فهو: يصدق، ويقر بالله سبحانه، وبرسله، وبكل أمره. {ويعمل صالحا}، معنى {يعمل} فهو: