تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

سورة التغابن

صفحة 147 - الجزء 3

  الأولاد والأزواج، مالم يخرجوا إلى المباينة، بالمشاقة في العداوة لأوليائه المؤمنين، من أبنائهم وأزواجهم. ثم قال: {فإن الله غفور رحيم}؛ فأخبر أنه غفور لمن استغفره، بعد التوبة النصوح البينة، واسترحمه بعد الرجعة عن المعصية.

  ثم قال سبحانه: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة}، يقول: إنها تفتن كثيرا من الجهال عن طاعة الله، وتدخله في المعصية لله، ومعنى {فتنة} فهي: محنة امتحنتم بها؛ ليعلم الله أيكم يثبت معها على أصل دينه، وأيكم تفتنه وترده عن حقه. ثم قال: {والله عنده أجر عظيم}، يريد أن عنده سبحانه، لمن لم تفتنه الأموال والأولاد، فيخرجه الإعجاب بهما عن الهدى، ويدخله في بحر الهوى - {أجر عظيم}؛ والأجر العظيم فهو: الثواب الكريم، والعطاء الجسيم.

  ثم قال سبحانه: {فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا}؛ فأمر باتقاء الله، ومعنى: {فاتقوا الله} هو: خافوا الله وراقبوه، في سركم وعلانيتكم، وكونوا له خائفين، ولثوابه متنجزين. قوله: {ما استطعتم} يقول: ما أطقتم، وعليه قويتم؛ لأنه سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها، كما قال جلا جلاله، عن أن يحويه قول أو يناله: {واسمعوا وأطيعوا}، معنى {اسمعوا} فهو: ائتمروا إذا أمرتم، وانتهوا إذا نهيتم. {وأطيعوا} معناها: أطيعوا الله في إقامة فرضه، وأطيعوا الرسول فيما أمركم من ذلك به. {وأنفقوا خير لأنفسكم}، يقول: أنفقوا من أموالكم ما تكسبون به الخير لأنفسكم؛ والخير فهو: الأجر.

  {ومن يوق شح نفسه}، فمعنى {يوق} فهو: يوقى، ومعنى «يوقى» فهو: يصرف عنه ويكفى شح نفسه، ومعنى {شح نفسه} فهو: شر الشح وبلاؤه، ونازلته وشقاؤه، واثمه ولؤمه وأذاه؛ لأن من كان ذا شح ولؤم كان عند الله مدحورا مأثوما، وعند الناس مقبحا ملوما؛ فأخبر سبحانه أن من يوق شح نفسه وشره {فأولئك هم المفلحون}، فطرح بلاء وشر نفسه، وهو يريده، والمعنى على ذلك كما قال سبحانه: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم}⁣[البقرة: ٩٣]،