قوله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا 2 ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا 3}
  صدق ما جاء به الرسول الأمين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين، من الهلكة والظلمات، إلى النور والبينات. معنى {الظلمات} فهي: ظلمات الكفر وشركه، وما فيه لأهله من الويل والبلاء. قوله: {إلى النور} فهو: إلى نور الحق وضيائه، وراحته ورجائه. ثم قال سبحانه: {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا}، معنى {ومن يؤمن بالله} فهو: يصدق بالله، ويوقن بآيات الله، ويوقن بالرسالات التي جاءت من الله على ألسنة أنبيائه، {ويعمل صالحا}، يقول: يكون مع إيمانه وتصديقه عاملا بما أمر الله به من فرائضه. {ندخله جنات}، يقول: على ذلك من العمل أدخلناه جنات؛ والجنات فهي: دار الكرامات، التي جعلها الله للمتقين، وكرم بها عباده المؤمنين، دار السرور في المآكل والمشارب، والمناكح والملابس، التي لا يفتقر من نال ملكها، ولا يسقم من حلها، ولا يشقى من نالها. {تجري من تحتها الأنهار}، يقول: تجري من تحت أشجارها، وبين دورها وقصورها الأنهار؛ والأنهار فهي: التي ذكر الله تبارك وتعالى، حين يقول: {فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم}[محمد: ١٥]. {خالدين فيها}، معنى {خالدين فيها}: فهم مخلدون، ومعنى مخلدين فهو: مقيمون، لا يبرحون ولا يخرجون، ولا يفقدون كرامة الله التي يعطون، فهم مقيمون، أحياء لا يموتون، مسرورون لا يحزنون، أغنياء لا يفتقرون، قد صدقوا قول الله فصدقهم، وأرضوه فأرضاهم، فصاروا عنده مقربين، وفي ثوابه خالدين أبد الأبد. {فيها أبدا}، فمعنى {أبدا} هو: أبد الأبد، والغاية التي لا انقطاع لها ولا مدى. {قد أحسن الله له رزقا}، يقول سبحانه: لمن كان كذلك، وصار إلى ما ذكرنا من ذلك. قوله: {رزقا} فهو: ثوابا، وثوابا فهو: عطاء ونائلا وفضلا.
  ثم ذكر سبحانه ما جعل من سماواته وأرضه؛ ليكون ذلك حجة له على جميع