تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا 2 ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا 3}

صفحة 164 - الجزء 3

  خلقه، فقال سبحانه: {الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن}، معنى قول الله: {الذي خلق سبع سموات} فهو: دلالات منه على نفسه، بما فطر من فعله، وأظهر من صنعه، في سماواته وأرضه؛ فدل سبحانه بصنعه على نفسه، وأخبر أنه هو الذي خلق ما ذكر، ومعنى {خلق} فهو: أوجد وفطر، وابتدع وصور، وأوجد وقدر هذه السبع السموات، وأوجد مثلهن أيضا من الأرضين المدحوات، ومعنى {مثلهن} فهو: في العدد سبعا كالسموات، لا أنها مثلها في الخلق والتصوير، والتجسيم والتقدير. {يتنزل الأمر بينهن}، فمعنى {يتنزل} فهو: ينزل ويتردد، ويهبط ويتبدد، والأمر فهو: ما جعل الله سبحانه من الأسباب والمقادير، والأرزاق والتقادير التي قدرها، من هبوط ملائكته إلى أنبيائه بأمره ونهيه، وفرضه وجعله، وما ينزل من السماء من الماء، الذي به حياة الأشياء، وما ينزل من السماء إلى الأرض، من رحمة واسعة، وكرامة شاملة للمؤمنين، ومن عذاب نازل بالفاسقين، واقع بالكافرين؛ فهذا تنزيل ما يتنزل بين السموات والأرضين. {لتعلموا أن الله على كل شيء قدير}، معنى {لتعلموا} هو: لتوقنوا إذا رأيتم، وأبصرتم تنزيل هذا الأمر الذي به خبرتم - {أن الله على كل شيء قدير}، ومعنى {على كل شيء قدير} فهو: على كل شيء من الأشياء مقتدر، وله منفذ قاهر، لا يمتنع عليه منها شيء، ولا يفوته شيء، وهو القادر على كل شيء، يفعل ما يشاء، فينفذ في الأشياء فعله، ويظهر عليها في تدبيرها قدرته. {وأن الله قد أحاط بكل شيء علما}: فهذا إخبار من الله سبحانه: أنه قد أحاط علمه بكل شيء، فهو عالم بالأشياء علما واحدا، علمه بها قبل كينونتها كعلمه بها بعد تكوينها. {أحاط} معناها: حفظ كل شيء، فلم يضل عنه شيء، من قعور البحور الزاخرات، ولا أكنان الجبال الشامخات؛ وهو السميع البصير، وبالله نستعين.