تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

سورة التحريم

صفحة 173 - الجزء 3

  والمنافقين، وبأن يبتدئ الغلظة على جميع الفاسقين، فقال: {ياأيها النبيء جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير}، معنى {ياأيها} فهو: أمر من الله لنبيئه صلى الله عليه وآله بما أمره به من جهاد عدوه. معنى {النبيء} فهو: المنبئ عن الله سبحانه بوحيه الرضي. {جاهد الكفار} فهو: نابذ الكفار وقاتلهم، وابسط يدك بالسيف عليهم؛ والكفار فهم: الذين كفروا بالله وأشركوا، وكذبوا بآياته وأنكروا؛ والمنافقون فهم: المدغلون في الدين، الذين يفسدون عليه صلى الله عليه وآله، ويعطونه من ألسنتهم ما ليس في قلوبهم، ويبدون له الإسلام، ويفسدون عليه ضعفة الأنام؛ فأمره سبحانه بالجهاد لمن نابذه من أولئك، وأظهر له ما يخفيه من المعصية والعداوة في ضميره. {واغلظ عليهم}، يقول: اشتد عليهم، وكن بهم فظا غير رحيم. {ومأواهم}، يريد: مصيرهم ومعادهم {جهنم}، وجهنم فهي: النار. {وبئس المصير}، يقول: بئس المرجع والقرار، والمصير والدار، ومعنى {بئس} فهو: شر مصير، و «مصير» فمعناها: الموضع والمنزل، والمرجع الذي يرجع إليه، ويصار فيه.

  ثم رجع سبحانه إلى ذكر الكافرين، فأخبر بأمرهم وحالهم، وأنه لا يغني عنهم الأولياء الصالحون، من الأزواج والأولاد، والآباء والأبناء، في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله، كما لم يغن ذلك عمن كان كذلك في عصر نوح ولوط صلى الله عليهما؛ فضرب في ذلك مثلا لأزواج الرسول صلى الله عليه وآله، الذين ذكر عنهم في أول السورة ما ذكر، يخبرهن أن نكاح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله لهن لا يغني عنهن من الله شيئا، إن عدلوا عن الحق، ولم يتبين عما كان من تظاهرهما على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، وأنه لا منجاة من ذلك إلا بالتوبة عن تلك المهالك، وأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله لا يغني بنكاحه لهن، ولا مقاربته إياهن، وأنه لا نجاة لهما مما فعلتا، إلا بالتوبة عما كانتا صنعتا، وإلا كانت حالهما كحال غيرهما، من امرأة نوح وامرأة لوط صلى الله