تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم 4}

صفحة 194 - الجزء 3

  الله سبحانه جميع العالم على عظيم ما ألهمهم له من تدبير القلم، وعلى عجيب ما ألهم الخلق من أمره، وهداهم إليه من تدبيره، حتى صلح لما جعل له؛ لأن آيات القلم، وفعل الله فيه، وما هدى ودل الخلق عليه - فعل عجيب أمره، ولطف ظاهر نوره؛ ألا ترى كيف يسطر به ما لا يستغنى عنه من العلامات والدلالات، والأسرار الخفيات، والأخبار الكافيات، حتى يبلغ بها الحاجات، ويعلم بها الإرادات، ويثبت بالقلم في الصحف كل حاجة بعدت أو قربت، تبلغ بعيد البلاد وقريبها، وقاصيها ودانيها، مع ما ينال بالقلم من غير ذلك، من تنفيذ حساب العالمين، وما يحفظ به من التداين بين المتداينين، وما يسطر به من كتاب رب العالمين، ويثبت به من أحكام أحكم الحاكمين، ويكون به أثبت علم المتعلمين والعالمين؛ وبسببه وما ذكرنا من ألوانه وأسبابه، وحكمه وآياته - ما مثل الله للعباد: حفظه لأفعال عباده، صغيرها وكبيرها - بما يكتبونه بالقلم في صحفهم، ويثبتونه بالقلم عندهم في كتبهم، فيكون عندهم مذكورا لا ينسى، وثابتا صحيحا أبدا أبدا، فقال سبحانه: {وكل شيء فعلوه في الزبر ٥٢}⁣[القمر]، وقال: {وأما من أوتي كتابه بيمينه ٧}⁣[الانشقاق]، وقال فيما حكى من محاورة موسى وفرعون، حين قال فرعون: {فما بال القرون الأولى ٥١}⁣[طه]، فأجابه في ذلك موسى صلى الله عليه عن العلي الأعلى، فقال: {علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ٥٢}⁣[طه]، فمثل له حفظ الله سبحانه لأمرها، وعلمه بصورة شأنها، وما تقدم من فعالها - بما يكون في الكتاب الذي لا ينسى، الذي هو غاية الحفظ عندهم، وأكثر ما به يحفظون أسبابهم؛ فهذا كله من عجائب تدبير الله في القلم، وما هداهم إليه فيه من جميع الأمم؛ فلذلك أقسم به الرحمن؛ تنبيها منه لجميع الإنسان، على ما كان منه فيه من المن والإحسان.

  قوله: {وما يسطرون}، فأقسم سبحانه: بما يسطرون من القرآن العظيم،