قوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم 4}
  الذي يكتبون ويقرأون، وقد يمكن أن يكون معنى قوله: {وما يسطرون}: تنبيها لهم على النعمة، وجليل أثر القدرة، فيما دبره من حروف الهجاء، من الألف واللام والواو والياء، وغير ذلك من الأشياء، وغير ذلك من التسعة والعشرين حرفا، التي جعلت للكتاب كله حكما ومعنى، فنبههم سبحانه على ما هداهم إليه منها، وعلمهم إياه من تدبيرها، وتقطيع ما تقطع منها، وتوصيلها ما يوصل فيها، حتى تجتمع الأحرف في الاسم الواحد المسمى، ويفترق في غيره من الأسماء، فيأتي كل شيء على معناه، ويستوي كل حرف على أصله ومستواه، ففي هذا - لعمر من عقل واهتدى - دليل على من إليه هدى، ومبين لقدرة من قدره، وشاهد على حكمة من دبره. فإن يكن أراد سبحانه بقوله: {وما يسطرون} أي: ما يقولون، ويجعلون من تلفيق حروف الكتاب ويؤلفون - ففي أقل من هذا ما أقسم الله به ودل عليه، ونبه أهل الجهل به على معانيه؛ احتجاجا من المقسم به على الشاك في قدرته، الضال الفهم عن حكمته. وإن يكن سبحانه أراد بقوله: {وما يسطرون}: كتابه الذي يقرأون، الذي ذكره وأقسم به في أول سورة {والطور ١}، حين يقول سبحانه: {والطور ١ وكتاب مسطور ٢ في رق منشور ٣}، فهو الكتاب الذي يسطرون، وهو القرآن الحكيم الذي يقرأون. وكلا الأمرين يخرج في المعنى، ويصح في قلب من كان ذا هدى؛ وقد أتوهم - والله أعلم -: أن الذي أقسم به سبحانه؛ لجليل أمره، وعظيم خطره، وما جعل الله من برهانه وأمره، وحججه على خلقه، وحلاله وحرامه، وما تعبد به سبحانه جميع خلقه وعباده؛ فأقسم سبحانه: بالنون، والقلم، وما يسطرون من كتاب الله العظيم الذي يكتبونه، وما نبيئه صلى الله عليه وعلى آله بنعمة ربه بمجنون، ومعنى قوله: {ما أنت} أي: ما أنت يا محمد {بنعمة ربك}، يريد: بكرامة ربك، ومدافعته لكل سوء عنك؛ وربك فهو: خالقك ومالكك. {بمجنون}، يقول: ما أنت بزائغ العقل ولا مأفون، ولا بمخلط مجنون.