قوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم 4}
  ظالمين لأنفسنا فيما فعلنا. فأقروا بذنبهم، وشهدوا على أنفسهم بظلمهم، ثم أقبلوا يتلاومون، ويختصمون ويتعاذلون، فيما كان من تفريطهم في أمرهم، وسوء نظرهم لأنفسهم، كما قال سبحانه، وجل عن كل شأن شأنه: {فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون}، معنى {فأقبل بعضهم على بعض}: قصد بعضهم بعضا بالتلاوم والعذل، فيما كان من خاطئ الفعل. {يتلاومون}: فهم يتعاذلون، ويقبحون أفعالهم، ويعجزون آراءهم.
  {قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين}، معنى {قالوا} أي: هم تكلموا به وأظهروا، معنى {يا ويلنا} فهو: يا ويحنا من هذا الأمر، الذي أدخل الويل علينا، والويل فهو: الغم، والطويل من الهم. {إنا كنا طاغين}، يقولون: المعنى الذي أدخل الويل علينا هو ما كان من طغياننا؛ والطاغون فهم: العتاة الباغون، الذين لم يستسلموا في يد الله، ولم يلقوا بأمرهم كلهم إلى الله، فأقروا بطغيانهم، وعلموا أنه كان سبب هلاكهم.
  ثم رجعوا إلى الواجب، والحق المصيب الراتب، {فقالوا عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا الى ربنا راغبون}، معنى {عسى} أي: لعل. {ربنا أن يبدلنا} معناها: أن يخلف علينا، ويبدلنا بدلا من الذي ذهب منا من جنتنا {خيرا منها}، معنى {خيرا منها} فهو: أفضل منها. {إنا إلى ربنا راغبون} معناها: راجعون طالبون، قاصدون سائلون، ومعنى {إلى ربنا} فهو: من ربنا، أي: إنا من ربنا للبدل والعوض سائلون.
  ثم أخبر سبحانه: أن ذلك منه عذاب لهم، ونقمة أنزلها بهم، على ما كان من عتوهم، فقال: {كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون}، معنى {كذلك العذاب} يقول: كذلك نعذب بالانتقام، من أردنا عذابه من الأنام، في الدنيا بذهاب ما نذهبه من أموالهم، وانتقاص ما ننقصه من أنفسهم وثمارهم، فجعل ما ينزل بهم من ذلك في الدنيا الفانية، عذابا أدنى دون عذاب الآخرة