قوله تعالى: {فهو في عيشة راضية 21}
  بدلالتنا على تقديرها، فقدرتموها بقدرتنا، وثبتموها بإرادتنا، فصارت فلكا حاملة لكم، سفنا في الماء جارية بكم؛ فهذا معنى {حملناكم في الجارية}، والجارية فهي: السفن المسمرة، المؤلفة المبينة المقدرة، التي تجري في البحار بأهلها، وتطفو بقدرة الله على الماء بما فيها، فلما كان الله سبحانه الهادي لخلقه إلى ذلك - جاز أن يقول: {حملناكم}.
  {لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية}، معنى {لنجعلها لكم} هو: لنصيرها لكم تذكرة، ومعنى {تذكرة} فهو: ذكر لكم، وحجة عليكم؛ لتعلموا أنا أولياء نعمتها، والمنعمون عليكم بها، لتذكروا نعمتنا فيها فتشكروا، وتتفكروا فيما هديناكم إليه من أمرها فتؤمنوا، ومعنى {وتعيها أذن واعية} فهو: تفهمها وتعلمها، وتوقن بها وتعرفها، وهذه التي قال الله سبحانه: {وتعيها أذن} فهي: التذكرة والحجة، والأذن الواعية فهي: الأذن المؤمنة، المصدقة بكتب ربها ورسله، وآياته ونذره، المستدلة بظاهر آيات الله وصنعه، وما أظهر في تدبير العالم من قدرته، على عجائب ما حجب من علمه، وأرسل به على ألسنة رسله، من ذكر الحشر والحساب، وما أخبر به سبحانه من الثواب والعقاب، الذي يكذب به المكذبون، وينكره الكفرة المنكرون.
  ثم أخبر سبحانه: باليوم الذي يميز فيه العالمون، ويحشر فيه المبطلون، فقال تبارك وتعالى: {فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ١٣ وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ١٤}، فمعنى {نفخ في الصور} أي فهو: جعل فيها، ورد ما يكون به حياتها من أرواحها، التي يردها الله عند بعثها في أبدانها. {نفخة} فمعناها: ردت الأرواح إلى الأبدان. {نفخة واحدة} أي: ردة واحدة، أي: سريعة واجزة، فترجع الأرواح بقدرة الله إلى الأبدان التي كانت أولا فيها.
  {وحملت الأرض والجبال}، فمعنى حملهما فهو: أخذهما، ومعنى أخذهما فهو: نفاذ أمر الله فيهما، وإنفاذ إرادته في دكهما، ودكهما فهو: إذهابهما، ومواقعة