قوله تعالى: {فهو في عيشة راضية 21}
  ليس تريد بذلك: أنه وضع على ظهورهم حملا منه يعجزون، وإنما تريد: كلفهم وأمرهم بأمر لا يطيقونه، وألزمهم شيئا لا يستطيعونه، وفي ذلك ما يقول شاعر من العرب:
  حملت أمرا جليلا فاضطلعت به ... وقمت فيه بأمر الله يا رجل
  فقال: «حملت» يريد: كلفت يا رجل، ولم يرد: حملت على ظهرك ثقلا به يثقلك، ولا وزرا يفدحك، وإنما أراد: كلفت أمرا جسيما فاضطلعت به، أي: قمت به، وقويت عليه، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة}، فقال تعالى: {ليحملوا أوزارهم}، أي: ليحملوا ثقل الوزر، وثقل الوزر فهو: الإثم، ويتقلدون وزرهم، ووزر غيرهم، بالأمر الذي يأتونه من معاصي ربهم، وما هم يتقلبون فيه من الجرأة على خالقهم، ولم يرد: أنه وزر محمول، ولا شيء ثقيل يوضع على الظهر معمول؛ فعلى هذا ومثله، وما كان من اللغة على شكله - يخرج حمل الملائكة لعرش ربهم، لا على ما يقول أهل الجهل بربهم، من أنه عرش تحمله الملائكة مدبر معمول، مربع فوق أكتافها محمول، وأن الله سبحانه فوق العرش؛ تعالى عن ذلك الواحد العلي الكريم، وتقدس أن يكون كذلك العزيز العظيم.
  ثم قال سبحانه: {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية}، معنى: {يومئذ} فهو: يوم قيام الملائكة بعرش ربها، وما يكون فيه من قبضها بأمره وبسطها. {تعرضون} فمعناها: يبرزون ويحاسبون، وتعرض عليكم أعمالكم، وتبين لكم أفعالكم، وتوقفون عليها، وتعاينون ما يجب عليكم ولكم فيها. {لا تخفى منكم خافية}، يقول: لا يخفى من أعمالكم شيء، ولا يغيب منكم في ذلك اليوم أحد، ومعنى قوله: {خافية} يقول: فهي مستترة وغائبة، فيقول: إنه لايخفى من أعمالكم صغير ولا كبير، وأن ما كان يخفى من صغير وكبير - ظاهر عليكم في ذلك اليوم كبيرا كان أو صغيرا.