تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {فهو في عيشة راضية 21}

صفحة 221 - الجزء 3

  {فأما من أوتي كتابه بيمينه}، فالكتاب فهو: الحساب، وما أحصاه عليه ملكاه من جميع الأسباب، فقوله: {أوتي} فهو: وقف وبين له أمره، وأظهر عليه فيه سره، حتى يعلمه علما حقا، ويعلم أنه لم يحص عليه كاتباه إلا صدقا، ومعنى {بيمينه} فهو: اليمن والبركة، وما يلقى به الملائكة أهل الدين والتطهرة، من البشارة من ربهم، والتبشير والتطمين لهم عند توقيفهم ومحاسبتهم؛ فهذا معنى قوله: {بيمينه}، وكذلك قال ذو العزة والجلال في أصحاب الميمنة حين يقول: {وأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة ٨}⁣[الواقعة]، فأراد بقوله {الميمنة}: باليمن والبركة، والفضل والمغفرة، لا أن ثم ميمنة قصدها الله ولا ميسرة.

  {فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه}، ومعنى يقول أي: هو قول من المؤمن المحاسب، عند تبشير الملائكة بالرحمة، والرضى من الله والمغفرة، فيقول عند ذلك لمن يحاسبه من الملائكة: {هاؤم اقرءوا كتابيه}، ومعنى {هاؤم} فهي: هاكم، فهو: حض على أن يقرأوا، وهي تخرج على معنى: هلموا اقرأوا كتابيه، ومعنى: {اقرءوا كتابيه} فهو: فسروا حسابيه، واشرحوا عمليه، وبينوا فعليه؛ استبشارا منه بجزاء عمله، وثقة منه بعدل ربه.

  {إني ظننت أني ملاق حسابيه}، فمعنى {ظننت} أي: أيقنت في الدنيا أني ملاق حسابيه في هذا اليوم، فأخذت له أهبته، وعملت له عمله في دار الدنيا، فلقيت السرور في الآخرة التي تبقى، ومعنى {ملاق} فهو: معاين، مواقع مدان، {حسابيه} فهو: مناقشتي على فعلي، ومحاسبتي على ما تقدم مني، صغيرا قدمته، أو كبيرا عظيما فعلته.

  ثم أخبر سبحانه بمكان من كان كذلك، ممن أخذ أهبته لذلك، فعمل على حذر من أمره، وتيقظ في دار دنياه لنفسه، فقال في من كان كذلك من المؤمنين، المستعدين في الدنيا لمحاسبة يوم الدين: {فهو في عيشة راضية ٢١ في جنة