قوله تعالى: {ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا 27}
  بذلك: أن الأجل عند الله أجل أجله لهم على التوبة، والإنابة ولزوم الطاعة؛ فأخبرهم: أنهم إن كانوا كذلك استوفوه، وإن عندوا عن الطاعة، وارتكبوا المعصية - نزل بهم العذاب القاطع لهم عن بلوغ ذلك الأجل المؤجل لهم، الذي ذكرنا على الطاعة منهم؛ وهذا الأمر الذي ذكرناه أنه ينزل من الله تبارك وتعالى بأعدائه فيهلكهم، عند نسيانهم له وإيسافهم، وإقدامهم على معاصيه، واقترابهم من العذاب المهلك المستأصل - فهو قول نوح صلى الله عليه: {إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون ٤}، أراد صلى الله عليه: أن عقوبته التي تقطع آجالكم إذا حقت عليكم بفعلكم لم تؤخر عنكم، ولم يرد أجل السلامة الذي جعله أمدا لمن سلم من عقوبته؛ وهذا من فعل الله سبحانه، وقتله بعذابه لمن قتل من أعدائه المستحقين لعقوبته - كقتل بعض الناس بعضا؛ فكأن الله ø بما أنزل من الفاسقين من العقوبة والتهلكة - قاطعا لآجالهم التي أجلها على السلامة؛ لأن الله تبارك وتعالى قد جعل في الخلق استطاعة يقدرون بها على المعصية والطاعة، وينالون بها قتل المقتولين، وغير ذلك من ظلم المظلومين، والإحسان إلى من أحبوا الإحسان إليه؛ {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم ٤٢}[الأنفال].
  ثم أخبر سبحانه بقول نوح #، من بعد الإعذار والإنذار إلى قومه، وما كان من الصد منهم عن تذكيره، وقلة الالتفات إلى شيء مما جاء به من ربه، فقال: {إني دعوت قومي ليلا ونهارا ٥}، ومعنى {إني دعوت قومي} هو: أني ناديت قومي إلى ربي، ودعوتهم إلى طاعة خالقي. {ليلا ونهارا}، يقول: دعوتهم في الليل والنهار إليك.
  {فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ٦}، يقول: لم يزدادوا بدعائي ربي وإنذاري، ودعائي واحتجاجي عليهم. {إلا فرارا}، يقول: إعراضا وصدودا، واجتراء علي، واستهزاء بي.