سورة الجن
  صاحبة ولا ولدا، ومعنى {اتخذ} فهو: جعل وأعد، ومعنى {صاحبة} فهو: الزوجة التي يسكن الزوج إليها، وينتفع في كل الحالات بها، والولد فهو: الذي يخرج من الأب ومن الزوجة معا؛ فأخبر الله سبحانه عن مؤمني الجن بما شهدوا به من شهادة الحق، وما قالوا به في الله من قول الصدق، ومن أنه لم يتخذ صاحبة ولا ولدا؛ وكيف يتخذ - ﷻ عن أن يحويه قول أو يناله، وتعالى عن قول المبطلين شأنه - صاحبة أو ولدا، وإنما يحتاج إلى الصاحبة المجعول المؤلف، المتولد الذي كان من الصاحبة والوالد؛ فأما من لم يكن من صاحبة ولا والد فلن يكون له صاحبة ولا ولد؟! بل هو الواحد الدائم الأحد، الفرد القدوس القديم الصمد، الذي لا يشبهه أحد، ولا يغيره الأبد؛ فذلك الله الواحد الفرد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد.
  وهذا القول كان من الجن لما أن سمعوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله يقرأ القرآن، في صلاة الصبح يوما من الأيام؛ وذلك: أن الله سبحانه صرف إليه نفرا من الجن استمعوا ما يتلو، فيؤدوه إلى جميع الجن، ليكون ذلك دعوة منه لهم، واحتجاجا منه عليهم؛ وذلك قوله سبحانه: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ٢٩}[الأحقاف]، فأتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله؛ فلما أن سمعوا ما يتلو من كتاب الله قالوا ما ذكر الله من هذا القول، والإيمان به، والتصديق له، والإقرار برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقبلوا ذلك بأحسن قبول يكون من القابلين، ثم تولوا إلى قومهم منذرين.
  ثم كان من إقرارهم على سفهائهم الجاحدين به، بحجج نبيئهم بالكفران، والشطط والعصيان، وذلك قولهم: {وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ٤}، ومعنى {كان يقول} أي: لم يزل يقول {سفيهنا} أي: كافرنا. {على الله شططا} فهو: كذبا وزورا وباطلا، وأمرا جسيما جليلا؛ لأن الشطط في كل معنى هو: الأمر الصعب العظيم.