تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

سورة الجن

صفحة 257 - الجزء 3

  يكون من مداناته.

  ثم قالوا عندما عاينوا من تلك الشهب المستعدة لهم، الراصدة لمن طمع بالاستماع بعد مبعث محمد صلى الله عليه وعلى آله منهم، فقالوا: {وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ١٠}، يقولون: لا ندري أهذا الذي حدث من أمر الله: ألشر يريد أن يجعله في الأرض، يهلك به أهلها، أم لرشد ينزله فيها، فيتفضل به على سكانها؟ والشر فهو: العذاب والبلاء، والرشد فهو: الخير والرحمة والهدى. ولعمري: لقد جعل الله ø بمحمد ÷ في الأرض كل هدى، وكل خير ورخاء.

  ثم رجع الخبر إلى قول النفر الذين صرفوا من الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، فاستمعوا منه، وذهبوا إلى قومهم منذرين، فحكى قولهم، وهو قوله: {وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا ١١}، فأخبروا: أن منهم «الصالحون»، والصالحون فهم: المؤمنون، وأن منهم دون ذلك، بقول: «دون المؤمنين»، ومن كان دون المؤمنين فهو: من الكافرين. ثم أخبر سبحانه عن أنفسهم: أنهم في الاختلاف {طرائق قددا}، والطرائق فهي: الألوان المختلفة، والأشياء التي هي غير مؤتلفة؛ فأخبروا: أنهم مختلفون في المعرفة بالله والطاعة له، فمنهم المؤمن التقي، ومنهم المنافق الردي، ومنهم الكافر الغوي، و {قددا} فمعناها: بددا، ومعنى بددا أي: شعوبا فرقا.

  {وأنا ظننا أن لن نعجز الله}، فمعنى {ظننا} أي: أيقنا. {أن لن نعجز}: ثبتت هاهنا «لن»، ولم تثبت في قوله: {أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ٥}، أرادوا: أنهم موقنون أنهم لن يعجزوا الله في الأرض إن استتروا بها، وكانوا تحتها، وفي أكنافها، وأنهم لن يعجزوه هربا إن ذهبوا في الأرض هاربين، ومن مخافته طائرين، فأقروا بقولهم ما قالوا من ذلك - بقدرة الله عليهم، وأنه لا مهرب منه إلا إليه، وأنه لن يعجز الله أحد ممن في الأرض، ولا ممن في السماء، لا