سورة الجن
  من مقيم ولا ممن ذهب على وجهه هربا.
  ثم أخبر بما كان منهم من القبول للهدى، فقال: {وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به}، والهدى الذي أخبروا أنهم سمعوه فهو: كتاب الله الذي قبلوه، ومعنى {آمنا به} فهو: صدقنا به. {فمن يؤمن بربه}، يقول: يصدق بقول ربه، ووعده ووعيده، فقد آمن به حق إيمانه. {فلا يخاف بخسا ولا رهقا ١٣} يقول: لا يخاف مع إيمانه بخسا، والبخس فهو: نقصان الثواب، ونقص ما جعل الله للمحسنين على إحسانهم، وقوله: {ولا رهقا} يريد: ولا يخاف من الله إرهاقا بعذاب، ولا حكما عليه بإثم في شيء من الأسباب.
  ثم قال: {وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون}، فأخبر مؤمنو الجن: أن منهم «المسلمون» في دينهم، ومنهم «القاسطون» في فعلهم، فأما المسلمون فهم: المستسلمون لأمر الله، القابلون له، وأما القاسطون فمعناها: العادلون بالله غيره، والعادلون فمعناها: العابدون معه سواه، والمطيعون غيره، والعاصون له؛ ومن العادلين: المشبهون له، ومن العادلين: المجورون له، الذين عدلوه بغيره، ومعنى «عدلوه» أي: شبهوه ومثلوه بخلقه. ثم أخبر مؤمنو الجن بما أخبرهم الله؛ تصديقا لوعده ووعيده، فقال: {فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ١٤}، يريد أي: فعلوا صوابا، وقبلوا هدى.
  {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ١٥}، يقول: صاروا بفعلهم وقودا لجهنم، وحطبا لها، أي: تحرقهم وتوقد بهم، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: {نارا وقودها الناس والحجارة}[التحريم: ٦].
  ثم انقضى قول مؤمني الجن، ورجع القول والخبر إلى الله ذي القدرة والطول، ثم قال سبحانه، وجل عن كل شأن شأنه: {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ١٦}، يعني بالاستقامة: بني آدم، يقول سبحانه: لو