تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

سورة الجن

صفحة 259 - الجزء 3

  استقاموا على الطاعة لنا، والطريقة هي: الأمر الذي افترضه الله عليهم، والطريق التي عليها أوقفهم من طاعته وعبادته. {لأسقيناهم} يقول: أنزلنا عليهم من السماء {ماء غدقا}، والغدق فهو: الكثير.

  ثم قال: {لنفتنهم فيه} وبه؛ فننظر شكرهم لنا عليه، أو كفرهم لنعمنا فيه؛ فأخبر: أنهم لو كانوا على الحق ولزموه لرأوا من نعم الله ما لن يحصوه، وأنزل عليهم من الماء ما يحيي به بلادهم، وتكثر به ثمارهم، ويزيد في أموالهم، ويوسع عليهم نعمهم، ويشبع بطونهم، كما قال سبحانه في غير هذه السورة: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ٩٦}⁣[الأعراف]؛ فأخبر سبحانه: أنه ليس بين عباده وبين كراماته، إلا ما هم عليه من معاصيه، والأثرة لما لا يرضيه.

  ثم قال: {ومن يعرض عن ذكر ربه نسلكه عذابا صعدا ١٧}، ومعنى {يعرض عن ذكر ربه} هو: يترك ذكر ربه، ومعنى {ذكر ربه} فهو: خوف ربه وطاعته. {نسلكه عذابا} أي: ندخله فيه، وكذلك تقول العرب: «اسلك موضع كذا وكذا» أي: ادخل فيه وأمضه، وتقول: «اسلك الخيط في الإبرة»، وفي ذلك ما يقول الله تبارك وتعالى لموسى: {اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ٣٢}⁣[القصص]، يريد: أدخلها جيبك ثم أخرجها. ومعنى {صعدا} فهو: التعب الشديد؛ فشبه الله سبحانه هذا العذاب مع غيره من العذاب: بالصعد مع السهل على من سلكهما، والصعد فهو: التصعيد في الجبل الشامخ، الصعب المنتصب.

  ثم قال سبحانه: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ١٨}، فأخبر ø: أن بيوت الله ومساجده - لله تبنى، وعلى طاعته تبتدأ، ثم نهاهم أن يدعوا فيها غيره، ومعنى {تدعوا} فهو: تذكر وتعبد؛ فأمره الله بتوحيده، وإخلاص العبادة له؛ وأمره له صلى الله عليه وآله فهو: أمر لجميع الأمة، أمرهم