سورة الجن
  أدعوا ربي ولا أشرك به أحدا ٢٠ قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ٢١ قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا ٢٢ إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ٢٣}، فدل هذا من قوله على أنه جواب واحتجاج على كل منكر عليه في فعله، زار عليه في دعاء ربه؛ فاحتج عليهم بما تسمع، وليس هذا جواب يصلح أن يكون لمن صدقه، وآمن به واتبعه؛ وهذا فلا يغبى عند قراءة الآية على ذي معرفة وعقل، وتبصرة وتمييز بين الأمور، ووقوف على الخير والشرور.
  وقوله: {أدعوا ربي} أي: أسأله، وأخلص الديانة له، وقوله: {ولا أشرك به أحدا ٢٠} يريد: لا أشرك معه في دعائي وتعبدي له أحدا.
  {لا أملك} معناها: لا أقدر لكم أيها المنكرون علي في عبادة ربي {ضرا ولا رشدا ٢١}، يقول: لو كنت أملك لكم ضرا لضررتكم؛ ولكن الضار المرشد - الذي هو ربكم وربي.
  ثم قال: {قل إني لن يجيرني من الله أحد}، يقول: لو عندت عن دينه، وأطعت غيره - لم أجد من دونه من يجيرني منه؛ فكيف أعدل عنه كما عدلتم؟! إذا لهلكت كما هلكتم. {ولن أجد من دونه ملتحدا ٢٢}، يقول: إذا لم أكن أجد من دونه ملجأ ولا مفرا، ولا ملتحدا ألتحد فيه، ومعنى {ملتحدا} فهو: موضعا ومستندا، ومكانا يلجأ إليه من عند؛ من ذلك ما تقول العرب: «ألحد اللحد للميت»، أي: اجعل له موضعا يلجأ إليه، وينحجز عن متراكم التراب فيه، أي: ينحاز عن التراب إليه، ويهرب منه فيه، ويتحجر به عنه؛ وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: {لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ١٠٣}[النحل]، فقال: {يلحدون إليه}، يريد: يسندون إليه، ويزعمون أن محمدا مسند إليه، متعلم منه، ملتجئ إليه في أمره.