تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

سورة الجن

صفحة 264 - الجزء 3

  قوله: {يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ٢٧} فهو: جعل من الله مع من ارتضى، من التوفيق والتسديد، والمعونة والتأييد - ما يحفظه الله به من الزلل والخطأ، وغير ذلك من الأعداء؛ فيكون شبه ما جعل معهم من التوفيق والتسديد - بالراصد لمن يرصد، من حفظة العبيد؛ بل يكون ذلك من الله حفظا هو أحوط من الراصد المتحفظ، وضرب لهم هذا مثلا بينا؛ ليعلموا ما حفظ الله لمن اختار من خلقه وتنبأ.

  {ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم}، يقول سبحانه: ليكون منهم في التبليغ أمر وصبر، وحزم وفعل، يعلم الله أنهم قد فعلوا وصبروا عليه، وصمموا فيه، من تبليغ رسالات ربهم إلى خلقه، فيقع علمه بأنهم قد فعلوا، ويكون فعلهم نافذا بما أمروا؛ فهذا معنى: {ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم}. {وأحاط بما لديهم} فإخبار منه سبحانه: أنه محيط بما لديهم، ومعنى {أحاط} فهو: علم وأحصى، ومعنى {لديهم} فهو: عندهم. {وأحصى كل شيء}، فمعنى {أحصى} هو: أحاط وحفظ كل شيء يكون من الأشياء، التي لا يؤوده حفظها، ومعنى {عددا} فهو: أحصى لكل شيء، وأحاط به على وجهه، حتى يكون كل شيء مثبتا عنده حرفا حرفا، كما ثبت العدد في يد العاد تثبيتا، ويعقده بيده واحدا واحدا؛ فأخبر سبحانه: أنه محيط بما عند رسله عالم به، وعند غير رسله، وأنه محص لكل شيء يدركه من الأشياء، وإحاطته بها كما يكون إحاطة من حسب شيئا لما يحسبه ويبينه ويعقده في يده ويعرفه؛ فمثل لهم سبحانه حفظه بعدد الأشياء ومعانيها - بما يعرفون من حفظ ما عقد باليد وحسب؛ لأن احفظ ما يحفظون، وأبين ما به يعرفون حساب كل شيء ومبلغه - هو: بالعدد والإحصاء، والحساب والاستقصاء.