تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم 20}

صفحة 277 - الجزء 3

  الأرض يبتغون من فضل الله وءاخرون يقاتلون في سبيل الله}، فهاهنا موضع ذكر الأحرف؛ لأنه سبحانه جعل ما جعل من الرخصة في هذه الأوقات لصلاة فريضة الليل من العشاء والعتمة، فسمى هذه الأوقات من الليل: لمن كان من المرضى والمسافر والمجاهدين، وكذلك من لم يجد ماء إلى بعض هذه الأوقات، وكذلك المغمى عليه، والخائف والمشغول بأمر عظيم من أمر الله، يخشى من تركه بعض الفساد على الإسلام، ويرجو تنفيذه وأثرته نجاحا في صلاح الإسلام. ولا ينبغي لصحيح سالم مما ذكرنا: أن يخلف صلاة العشاء والعتمة عن ناشئة الليل التي ذكر الله فضلها، وجعلها وقتا لصلاة أهل السلامة من هذه الأشياء.

  ثم رجع إلى ذكر التيسير عليهم، وترك التعسير في شيء من فروضهم، فقال سبحانه، وجل عن كل شأن شأنه: {فاقرأوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة}، فأمرهم بأن يقرأوا ما تيسر من القرآن لهم، وأن يقيموا ما افترض من صلاتهم عليهم، ومعنى {أقيموا الصلاة} فهو: أقيموا حدودها وأوقاتها، وأتموا ركوعها وسجودها، وما أمر الله سبحانه فيها، من قراءة القرآن، وذكر الرحمن، من تسبيح وتكبير، وتهليل وتوقير؛ فمن أدى هذه الشروط في الصلوات فقد أقام ما أمر الله به من حدودها المفروضات، ومعنى {وءاتوا الزكاة} فهو: أدوا الزكاة، وادفعوها إلى أهلها وسلموها، ومعنى الزكاة فهو: ما جعل الله من أداء عفو أموالهم، فسمى الله ذلك وإخراجه منهم: تزكية وتطهرة لهم، فجعل من أدى ذلك زاكيا، وسماه لماله مزكيا، وإنما سمي ذلك زكاة؛ لأنه يزكي الأبدان، وتزكية الأبدان فهو: تطهرتها من الغلول والعصيان، وما نهى الله من حبسها جميع كل إنسان، فكان تسليمها لله طاعة، وكانت طاعة الله في ذلك تزكية لمن فعله، وتطهرة.

  ثم قال سبحانه: {وأقرضوا الله قرضا حسنا}، ومعنى قوله: {وأقرضوا