قوله تعالى: {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم 20}
  الله} فهو: أسلفوا الله، أي: افعلوا لله ما تثابون عليه، وتعطون من الثواب الجزيل فيه؛ وإنما سماه الله قرضا وسلفا: لما أن كان سبحانه لمن فعل ذلك مجازيا؛ فجاز أن يسميه سلفا وقرضا؛ إذ كان منه الجزاء لفاعله حكما وفرضا، فشبهه بالسلف الذي لا بد من قضائه، وتسليم مثله إلى صاحبه وإعطائه، فعلى هذا جاز أن يسمى ما تقرب به إليه سلفا؛ إذ كان بالمجازاة لهم عليه مرصدا ومضاعفا، وكان حكمه بالمكافأة لهم في ذلك ماضيا؛ ألا تسمع كيف يقول سبحانه: {وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله}، يقول سبحانه: ما تعطوا وتخرجوا، وتنفقوا في سبيل الله وتسلفوا - تجدوا عند الله ثوابه والمكافأة عليه، والمجازاة منه سبحانه فيه؛ ألا ترى كيف يقول سبحانه: {لأنفسكم}، فأخبر ø: أن جزاء ذلك أن لا يكون لغيرهم، وأن منفعة ما ينفقون في أمر الله لا يكون إلا لهم، وأنهم سيجدون ثواب ذلك وأجره عند الله موفرا لهم.
  والخير الذي قال الله: {هو خيرا وأعظم أجرا}، يعني بقوله: {خيرا} أي: تقدمته لأنفسكم إلى الله خير من إمساكه عن الإنفاق في طاعة الله. {وأعظم أجرا}، يقول: أحسن ثوابا في عاقبته لكم، وأجزل حظا فيما ترجون من عائدته عليكم.
  ثم قال سبحانه: {واستغفروا الله إن الله غفور رحيم}، فأمر الخلق بالاستغفار لله، ومعنى {استغفروا} فهو: توبوا وارجعوا، وهو أمر من الله الغفار بإخلاص التوبة إلى ذي الجلال والإكرام، بالقول والعمل، لا بالقول دون العمل؛ فبين لهم سبحانه: أن الاستغفار لا يكون بالقول المقول دون العمل المعمول، وأنه بالعمل والقول. {إن الله غفور رحيم}، يقول: إن الله تواب على من تاب، غفور لمن أناب، رحيم لمن راجع وأجاب، ثم رجع، وعن المعاصي لله سبحانه نزع، وأمره سبحانه في كل حال اتبع، كما قال سبحانه: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ٨٢}[طه].