قوله تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة 38}
  ذكرى للبشر ٣١} يريد: سقر، يقول: ما ذكرنا الذي ذكرنا منها إلا تذكرة للبشر، والبشر فهم: الخلق، ومعنى «تذكرة» فهو: تنبيها وتحذيرا، وإهابة وتخويفا.
  ثم قال: {كلا والقمر ٣٢ والليل إذا أدبر ٣٣ والصبح إذا أسفر ٣٤}، فأقسم سبحانه بالقمر، والليل في إدباره. وأما إقسام الله سبحانه بإدبار الليل فهو: لما فيه من عجيب تدبيره، من تجلي ظلامه، وتصوب نجومه، ولطائف عظمته؛ في ذلك من أثر صنعه - ما يطول شرحها، ويكثر لو ذكرناه ذكرها، ومعنى {أدبر} فهو: تولى، وتوليه فهو: ذهاب أكثره، ودنو انفجار فجره. وكذلك أقسم الله بالصبح إذا أسفر، والصبح فهو: الصباح، وقوله: {أسفر} فهو: أضاء وانتشر، وفي سطوع الصبح وفجره - غاية الدليل على صانعه وربه؛ لما فيه من ظهور ضوئه، في حندس الليل وظلمته، حتى ينكشف منه مدلهم الظلام، ويزيل عن الأرض منه ما كان عليها من الادلهمام.
  فوقع القسم من الله - ﷻ، عن أن يحويه قول أو يناله - على تحقيق ما أنكروا من سقر وخزانها، وعجيب ما ذكر الله سبحانه من أخبارها، فقال: {إنها لإحدى الكبر ٣٥ نذيرا للبشر ٣٦}، يقول سبحانه: إنها لإحدى عظائم ما فعلنا، وجليل ما أحدثنا، مما جعلناه عبرة وتبيانا، ونعمة وترغيبا، ونكالا وترهيبا، والكبر فهي: الأمور الكبار، التي جعلها الله سبحانه وفطرها، ولعمري ما من شيء أكبر هولا، ولا أعظم أمرا، ولا أشد على الخلق خطرا من سقر، التي لا تبقي ولا تذر. معنى {نذيرا للبشر ٣٦} يقول: منبها ومخوفا، وقوله: {للبشر}: والبشر هم: الناس أجمعون.
  ثم قال سبحانه: {لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ٣٧}، يريد بقوله: {لمن شاء منكم} أي: لمن أراد منكم، ومعنى {يتقدم} أي: أن يتقدم في أهبة أمره، والتخلص من عذاب ربه، والتنحي من هذه التي هي إحدى الكبر، التي