تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة 22 إلى ربها ناظرة 23}

صفحة 302 - الجزء 3

  فهو: أخر النظر في عاقبته، يقول: قدم عملا فعمله، وأخر عن نفسه النظر والمخافة في عاقبته، ومعنى {أخر} فهو: ترك ورفض الفكرة والخوف لمثل ما وقع فيه في يوم الدين، من العذاب المهين، على جزاء فعله المقدم؛ هذا معنى {قدم وأخر}، ولا يخرج أبدا على غير هذا المعنى؛ لأن كل عمل عمله الإنسان قبل وفاته فهو: متقدم لوفاته، وللقاء ربه؛ ولا يجوز أن يقال لشيء فعله في حياته، من فعله الماضي وصنعه، الذي وجب عليه الوعيد به: إنه متأخر ولا إنه أخره؛ كيف يكون مؤخرا بعد وفاته، وقد وجب عليه الوعيد بفعله؟! وليس الذي ترك وأخر إلا: ما ذكرنا من ترك المخافة للوعيد، والفكرة فيه، والنظر في عاقبته، وترك الاستعداد له.

  ثم قال سبحانه: {بل الإنسان على نفسه بصيرة ١٤}، يريد: بل هو على نفسه حجة، وشاهد عليها بما كان من فعلها، وكذلك قوله سبحانه: {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ٦٥}⁣[يس]، يقول سبحانه: هو عالم في حياته بما يكون منه، وهو أعلم الخلق بما هو عليه من ضميره وعلانيته، فهو أبصر وأعلم بما هو عليه في حياته لربه، وهو في الآخرة شاهد على نفسه بفعله في حياته، حجة لنا عليها، وقائل بالحق يوم الدين فيها.

  {ولو ألقى معاذيره ١٥}، والإلقاء هو: الطرح والكلام للاعتذار، والمعاذير فهي: الكلام الذي لا يثبت ولا يصح لقائله صدق، فيقول سبحانه: هو عارف بنفسه، عالم بغامض أمره، وسر ضميره.

  {لا تحرك به لسانك لتعجل به ١٦}، يقول: لا تذكرن منه شيئا حتى تفهمه، ولا تعجل بإلقاء شيء منه إلى الناس، حتى تحكمه، وتثبت تنزيله ومعناه في قلبك، فتذكره من بعد ذلك؛ فإنك إن عجلت بذكر تنزيل قبل فهم تأويل - لم تأمن أن تسأل عن التأويل، فلا تعلم ما أردنا به، فاثبت وتأن حتى نعلمك