تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة 22 إلى ربها ناظرة 23}

صفحة 304 - الجزء 3

  وحلال، وتبيينه حتى يعلم بعد حفظ التنزيل، وعلمه غوامض علم التأويل كله، فلا يضل عنه منه حرف واحد صغير، ولا يذهب منه قليل ولا كثير.

  ثم قال سبحانه: {كلا بل تحبون العاجلة ٢٠}، فأخبر: أن من لا دين له من الخلق يحبون العاجلة، والعاجلة: ما تعجل له ودنى، وحضر وقرب من كل الأشياء.

  {وتذرون الآخرة ٢١}، معنى {تذرون الآخرة ٢١} هو: تتركون العمل لها، وترفضون العمل الذي تنالون به خيرها؛ فلما أن رفضوا العمل الذي ينالون به الآخرة - كانوا للآخرة تاركين، وللعاجلة التي عملوا لها مؤثرين، والعاجلة فهي: الدنيا الفانية، والآخرة فهي: المتأخرة الباقية.

  {وجوه يومئذ ناضرة ٢٢ إلى ربها ناظرة ٢٣}، فـ {يومئذ} هو: يوم القيامة، والناضرة هي: المسرورة البهجة، المطمئنة الفرحة، التي عليها لقلة الخوف النضرة. {إلى ربها ناظرة ٢٣}، يريد: إلى ما يكون منه ناظرة، ولثوابه ووعده منتظرة، ومعنى {ناظرة} أي: راجية، ولثوابه منتظرة؛ كذلك تقول العرب: «ما أنظر إلا إلى الله وإليك»، وليست تريد بذلك: النظر بالعين إليه، وإنما تريد: فضله وعطاءه، وكذلك يقول القائل من العرب لمن يطلب رفده وبره: «عيني مفتوحة إليك، وأنا ناظر إليك»، ليس تريد: أن يفتح عينيه لينظر بها إلى جسمه، فإنما تريد: إن عيني مفتوحة إلى ما أرجو النظر إليه من عطائك، ومواهبك وفعالك.

  {ووجوه يومئذ باسرة ٢٤}، فهو: وجوه الكفار، ومعنى {باسرة} أي: باسرة لأنفسها عن رحمة الله، بما كان من عصيانها لله؛ فلما أن عصت الله تلك الوجوه والأبدان - بسرت أنفسها عما أعده الله من الثواب والإحسان، لمن أطاعه من جميع الإنسان؛ فسماها: باسرة؛ إذ كانت قد بسرت أنفسها عن رحمة الله وثوابه في الآخرة، بما قدمته من معصيته في العاجلة، ومعنى «بسرت» أي: