قوله تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله}
  ما فيه غمهم، فيكون ذلك شبه الطاعة. فلم يبال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله بوعيده، وغدا لصلاته كما كان يفعل؛ فأخذ أبو جهل صخرا كبيرا، ثم أتى به من وراء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله يمشي، حتى إذا قاربه رمى بالحجر من يده في الأرض، ورجع هاربا مخلوعا؛ فقيل له في ذلك، فقال: إني لما دنوت منه حمل علي جمل، لم أر أكبر منه من الجمال، ولا أعظم رقبة، ولا أكبر أنيابا، فاتحا فاه، يريد: أن يأكلني، فرميت بالحجر، وهربت منه، وتالله لو وقفت لازدردني.
  ثم أمره سبحانه بالمضي على ما كان عليه، من ذكر ربه في صلاته على رؤوسهم صاغرين داخرين، فقال: {واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ٢٥}، والذكر لاسم ربه فهو: ذكره، وهو: القرآن. {بكرة وأصيلا}، فالبكرة: أول الغداة، وهي: صلاة الفجر، {وأصيلا} فهو: العشي، وهي: صلاة الظهر والعصر.
  {ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا ٢٦} فهو: صلاة المغرب والعتمة؛ فأمره سبحانه بالسجود في هذه الأوقات، وهي: أوقات الصلاة، وأمره بالتسبيح ليلا طويلا؛ والطويل هاهنا الذي أمره به فهو: من حين يدخل في الصلاة، حتى يفرغ منها؛ فهذا فرض التسبيح الذي ذكر الله سبحانه. وقد يدخل في ذلك: كل ما كان من التسبيح في غير الصلاة، والتقرب بذلك إلى الله؛ فكان أمره له بالتسبيح في الصلاة فرضا، وما كان في غير الصلاة فهو: نافلة، ووسيلة إلى الله وخير وفضيلة.
  ثم قال: {إن هؤلاء يحبون العاجلة}، و {هؤلاء} فهم: الذي كانوا على عصر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، من أهل الشرك والكفر والمضارة له. {يحبون} ويؤثرون ويختارون {العاجلة}، والعاجلة فهي: الدنيا الأولة. {ويذرون وراءهم}، يقول سبحانه: يتركون ما وراءهم ويرفضون، ومعنى {وراءهم} فهو: قدامهم، غير أن «وراء» و «قدام» من حروف الصفات، وقد