قوله تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله}
  تقدم ذكر حروف الصفات: أن بعضها يخلف بعضا في مكانه؛ وقال لبيد بن ربيعة العامري في ذلك:
  أليس ورائي إن تراخت منيتي ... لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
  أخبر أخبار القرون التي مضت ... أدب كأني كلما قمت راكع
  {يوما ثقيلا ٢٧} فهو: يوم القيامة، والثقيل فهو: الشديد الهائل، العظيم الفادح لأهله.
  ثم قال سبحانه احتجاجا عليهم بما أنعم الله عليهم، فقال: {نحن خلقناهم وشددنا أسرهم}، فقال: {خلقناهم} أي: جعلناهم وفطرناهم، {وشددنا} أي: قوينا {أسرهم}، والأسر فهو: الخلق، وتركيب المفاصل، وتثبيت الأعضاء، فيقول: شددنا ذلك كله ومكناه، وثبتناه وفصلناه. {وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا ٢٨}، ومعنى {شئنا}: أردنا، أي: إذا شئنا أهلكناهم وأبدناهم، وأنشأنا خلقا غيرهم مثلهم. {تبديلا} فهو: جعلناه جعلا، وأتينا بمثله بدلا منهم؛ اقتدارا وإنفاذ إرادة؛ هذا معنى {تبديلا}: تأكيد لما ذكر من تبديل المبدل، وإحداث ما يحدث بدلا من الذاهب؛ وهي كلمة للعرب تؤكد بها المعنى الذي يريده وتذكره، تقول العرب: «كلمناه تكليما» توكيدا للكلام، وتقول: «ضربناه ضربا» تؤكد بها الضرب، و «أخرجناه إخراجا» تؤكد الإخراج بقولها: «إخراجا»، وكذلك: «أدخلناه إدخالا» تؤكد الإدخال بقولها: «إدخالا»، وتقول: «بدلناه تبديلا» تؤكد معنى التبديل بقولها: «تبديلا».
  {إن هذه تذكرة}، فمعنى {هذه} هي: الأقاويل والمعاني، والاحتجاج عليكم بما كان منا في خلقكم وتركيبكم. {تذكرة} لكم، ومعنى {تذكرة} أي: تنبيها لكم، وحجة عليكم. {فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ٢٩}، يريد بقوله: {من شاء} أي: من أراد، ومعنى {اتخذ} فهو: فعل، وقدم وجعل، ومعنى {إلى ربه} هو: إلى عند ربه، ومعنى اتخاذ العبد عند ربه هو: تقديمه