سورة النبأ
  والأزواج فهي: الذكر والأنثى، الذي يكون منهما نسل الآدميين، وبتناسلهما تكون كثرة المخلوقين.
  ثم قال: {وجعلنا نومكم سباتا ٩}، والنوم فهو: الرقاد، والرقاد فهو: خروج الروح من البدن، وبقاء النفس التي منها النفس في مقرها من البدن. وهو: شيء جعله الله وركبه في الإنسان؛ منة منه سبحانه عليه، وإحسانا منه سبحانه إليه؛ لما في النوم من راحة البدن، وإراحة الجوارح كلها، وإزاحة النفس في كل وجه ومعنى. من تلك الراحة: راحة البدن من تعبه، وإقباله وإدباره، وراحة العين من النظر، والإصعاد والتصويب، وراحة الرجلين من المشي، وراحة الأذنين من السمع والاستماع، وراحة اللسان من القال والقيل، وراحة النفوس من الهموم والغموم، وراحة الخائف من وجل خوفه، وللمرعوب من رعب فزعه؛ وكل ما شرحنا من هذا القول ومثله - ففي النوم راحة من ألمه، وفرج من فادح عمله؛ لأن النوم يزيل ذلك كله. ويعرف: بزولان الروح من البدن، وزوال العقل الذي به يميز ذلك كله، ويعرف به ألمه؛ فإذا زال صار الإنسان بزواله في الغفلة عن ذلك [كله] كالميت المفارق لأرضه. وفيما ذكرنا من خبر النوم وفضله، وجزيل مواهب الله فيه ومنه، وما يزول عن كل أحد به من فادح همه - ما يقول الله تبارك وتعالى: {إذ يغشيكم النعاس أمنة منه}[الأنفال: ١١]، يقول: تطمينا لقلوبكم، وترويحا به عنكم، إذ بوقوعه يزول عنكم معرفة ما أنتم فيه، من الروع والهول، فتبارك الله العزيز ذو الطول. السبات فهو: الإطراق والخفات، والهدوء والسكون في الحالات.
  ثم قال: {وجعلنا الليل لباسا ١٠}، يقول: غاشيا لكم، ملبسا عليكم ما يلبسكم من ظلامه، ويقع عليكم عند هجومه من ادلهمامه، فسماه الله: لباسا؛ إذ كان يلبس الأرض ظلمته، ويغلبها اسوداده، فيستر منها القريب الداني، ويواري معها بظلمته المختفي المتواري؛ فلما أن ستر بظلامه ما ستر، وألبس الأرض ما