تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {كراما كاتبين 11 يعلمون ما تفعلون 12}

صفحة 377 - الجزء 3

  الزعزعة والتحريك، الذي تضطرب به منها الأرجاء، فحينئذ تتفجر منها البحار، ولا يكون لها ثبات ولا قرار.

  وحينئذ تعلم كل نفس ما قدمت وأخرت من أعمالها. و {ما قدمت} - والله أعلم - فهو: ما قدمت قبل موتها من حسناتها، وصالح أفعالها. و {ما أخرت} - والعلم عند الله - فهو: توانت عنه وأخرت من طاعة ربها، حتى فاتها بتقديمها بين أيديها، قبل فنائها بالموت وانقلابها، فخلفته وانقطعت الحياة، ولا رجوع لها إليه. وما قدمته النفس فهو: ما قدمه كل امرئ من خير أو شر، قبل انقطاع حياته، وهجوم الموت عليه.

  ثم قال سبحانه للإنسان واعظا ومذكرا؛ لما هو عليه من الغفلة عن ذكر ربه؛ إذ كان به مغترا: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ٦}، يعني سبحانه بقوله: {ما غرك بربك} أي: ما الذي غرك بربك الكريم؟! وكذلك هو: الكريم الذي جل في الكرم عن كل كريم، والحليم الذي جاز حلمه حلم كل حليم، ولي ما بالإنسان من جميع النعم والإحسان، المحتمل له مع فرط الغفلة والعصيان، وطول تماديه فيما هو عليه من السهو عن ذكره والنسيان؛ وهو: ربه وخالقه، ومليكه ورازقه.

  وهو - كما قال سبحانه -: الذي خلقه فسواه فعدله، في أي صورة ما شاء ركبه، وكما أراد هيأه ومثله؛ فأي تعديل سبحانه عدل الإنسان مصورا مسويا؟! وأي تركيب ركبه؟! وتوصيل وصل أعضاءه مهيأ؛ فوضع كل عضو من أعضائه في موضعه، وهيأه معتدلا في موقعه؟!

  ثم أخبر: أن الناس في غفلتهم عن ذكر خالقهم وربهم، وتماديهم لنسيانه فيما يرتكبون من ذنوبهم - إنما أتوا في ذلك من تكذيبهم بيوم الدين، وهو: يوم الجزاء والديانة لأعمال جميع العالمين.