قوله تعالى: {وجاء ربك والملك صفا صفا 22}
  يسكنون المظال التي ترفع بالعماد، والعرب تقول لمن يسكن المظال والأخبية: ساكن العمود؛ فإن يكن ما ذكر من العماد: سكناهم في بيوت العمد - فالعماد: جمعها، وذلك فيما يفهمه كل أحد.
  وقد يمكن - والله أعلم - عند من تفكر وتفهم، أن يكون ما ذكر الله من العماد: عمدا كان في بعض ما كانوا فيه من البلاد، من حجارة أو بناء أو خشب، نصبوها وصنعوها في بعض بلادهم، لا يقدر على مثلها غيرهم من جميع الناس؛ لما كانوا عليه من شدة البطش، وما زيدوا من البسطة في الخلق على كل الأجناس؛ ألا تسمع كيف يقول الله سبحانه: {التي لم يخلق مثلها في البلاد ٨}، وهو يخبر عن هذه الآية المذكورة من عاد.
  ثم قال: {وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ٩}، وثمود: فقوم صالح صلى الله عليه، والوادي: فبلد في بعض نواحي الحجاز، معلوم معروف، ويقال له: وادي القرى، وبلد ثمود: موضع منه، يسمى: الحجر، من يأتيه ممن في تلك الأرض من الناس - مساكنهم فيه تعاين وترى، قد نحتوها في أجواف الجبال نحتا، وجابوا فيها قصورا منحوتة وبيوتا.
  ثم قال سبحانه: {وفرعون ذي الأوتاد ١٠}، والأوتاد - والله أعلم -: فأبنية كان بناها فرعون باقية إلى اليوم بأرض مصر، تسمى الأهرام، لم ير مثلها في جميع أبنية ملوك الناس، في الجاهلية والإسلام، كأنها لإشرافها وعظمها هضاب من الجبال، عظام الأصول، مصعدة إلى أعلى، يراها - فيما أخبرت - من أشرف على أرض مصر عن مسيرة ليال، قد بنيت بالصخور الكبار العظام الرواسي، التي لو اجتمع على مثل الحجر الواحدة منها عصبة من الناس - لما حركوه - فيما ذكر من رآها - ولا أزالوه، ترى الحجار في أعالي الأهرام، فلا يدري الناظر كيف رفعوه. وتلك الأهرام - فيما أخبرني من رآها -: سبعة، وهن على ما الله أعلم بقدره من الطول والعرض والسعة؛ يقال: إن منها ما طوله في جو السماء أربعمائة