قوله تعالى: {وجاء ربك والملك صفا صفا 22}
  مضى - كسرعة صبه السوط في وقوعه ضربة واحدة وخطفته.
  وقد يمكن - والله أعلم - أن يكون ما ذكر الله من صبه لهذا السوط من العذاب، على هذه الأمم التي ذكر أنه دمرها فيما نزل من الكتاب: خبرا على أن هذه الأمم التي ذكرها وأخبر أنه أهلكها بفسادها ودمرها - إنما أهلكها بجزء من أجزاء العذاب، سماه سوطا في تنزيل الكتاب؛ ليعلم من عقل أن ما أعد الله لهذه الأمم في الآخرة من العذاب، والنقم التي تخلد لهم، ويخلدون فيها فلا تنقضي ولا تنصرم - ليست كالسوط من العذاب الذي عذبوا به في دنياهم، ففنوا به في الدنيا هم، وأفناه الله حين أفناهم؛ فنعوذ بالله ورحمته، من سخطه وعقابه، ونسأله النجاة بالعون على طاعته من سطوة عذابه، لمن خالفه وعصاه، ولم يؤثر رضوانه وتقواه.
  ثم ذكر سبحانه: جهالة هذا الإنسان، وما لم يزل عليه الناس - إلا من عصم الله - من الغفلة والخطإ والنسيان، بقوله: {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن ١٥ وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن ١٦}، وتفسير ما ذكر الله من هذا - والله أعلم -: أنه إذا ما ابتلى الإنسان بتوسعة رزقه وعطاياه، وما ينال بتوسعة الرزق من النعم في دنياه - غفل الإنسان بذلك عن ذنوبه وخطاياه، فظن أن ما نال من رزق الله بكرامة من الله - لرضاه عنه، وأنه قد سلم عند الله، وفيما بينه وبينه، ويغفل عن ذنوبه وخطاياه، ولا يفهم: أنه أراد امتحانه وابتلاه؛ ليرجع عن معصيته، ويعمل برضوانه وطاعته، ويشكر ما أولاه عند ذلك من نعمته.
  وأما إذا ما ابتلى الله سبحانه الإنسان، فقدر عليه رزقه، وقدره عليه: أن لا يبسطه ولا يوسعه؛ لما هو أعلم به في ذلك من صواب تدبيره، في بسطه إذا شاء رزق الإنسان وتقديره، بعد حكمته في كل أمر، وعلمه بما هو أصلح وأرشد وأصوب، وأخبر به - فعند ذلك ما يقنط الإنسان ويسوء ظنه، ويرى أن الله قد