قوله تعالى: {وجاء ربك والملك صفا صفا 22}
  ثم قال ذو العزة والعظمة والقدرة، فيما ذكر من الخبر الصادق عن يوم القيامة والحسرة: {يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى ٢٣}، وتفسير ذلك: أن الإنسان سيذكر بما فرط فيه من الطاعة والتقوى، فيندم حيث لا ينفعه الندم، عندما يعاين ويرى من عظيم الآيات في يوم البطشة الكبرى، فيندم ويفكر ويتذكر؛ وأنى له التذكر؟!
  وعند ذلك ما يقول: {يا ليتني قدمت لحياتي ٢٤}، يعني: في أيام دنياه وقبل ما كان من وفاته؛ تذكر أو ندامة على ما فاته، من تقوى الله وطاعته، وألا يكون قدم ذلك قبل حضور أجله وموته، ليوم بعثه ونشوره وخلده، فيصير بطاعة الله لو كان أطاعه واتقاه، إلى الثواب الذي أعده الله لمن يتقيه ويطيعه ويخشاه.
  قال الله سبحانه: {يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى ٢٣}، وتأويل ذلك: أن الإنسان فرط في الذكرى، حتى انقطعت عنه أيام حياة الدنيا، التي جعلها الله دار المهل والبلوى، فترك الطاعة والتقوى، حتى صار إلى الدار الآخرة التي ليست بدار مهل ولا بلوى، وإنما هي دار ثواب وعقاب وجزاء يجزى فيها، كما قال سبحانه تبارك وتعالى: {ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ٣١}[النجم].
  ثم قال سبحانه، وهو يخبر عن شدة عذابه، وانتقامه لمن عصاه وعقابه: {فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ٢٥ ولا يوثق وثاقه أحد ٢٦}، وتأويل ذلك: أنه لا يعذب عذاب الله أحد من المعذبين، ولا يوثق وثاقه أحد من الموثقين؛ فنعوذ بالله من سخطه ونقمته، ونسأله العفو والمغفرة برحمته.
  ثم قال الله تبارك وتعالى، وهو يخبر عن نفوس المؤمنين في يوم القيامة، الذي هو يوم الدين، وقوله عند فصله بين خلقه؛ لحكم عدله وحقه، فيما فصل بينهم