قوله تعالى: {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين 54}
  وقد سئل جدي القاسم ~ عن هذه المسألة، فقال: أما مكر الله واستهزاؤه فهو: استدراج الله وإملائه، ومكر من كفر بالله ربه فإنما هو: احتيال من الذين كذبوا وحيه، واستهزاء من كفر بالحق والمحقين، فيشبه كذبا في القول والفعال بالمحقين؛ فكل ما قيل أبدا للمبطلين: «خادعوا، ومكروا» فإنما يراد به فيهم: كذبوا وكفروا، وأظهروا خلاف ما أبطنوا وأسروا، ومتى ما قيل: «استهزأوا، وسخروا» فإنما يراد به: يلعبوا، وبطروا؛ وفي ذلك ما يقول سبحانه لنبيه #: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم ٦١ وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ٦٢ وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ٦٣}، يقول سبحانه: وإن يريدوا أن يخدعوك، فيمكروا بالكذب فيما أعطوك، معطوك المسالمة كذبا، ويكذبونك بالمخادعة تلعبا - فحسبك في ذلك تأييد الله ونصره، وبما ألف بين قلوب المؤمنين على دينه وأمره، وإذا كان استهزاؤهم ومكرهم إنما هو إخفاؤهم ما يخفون، وسترهم من أمرهم ما يسترون - فأمور الله أستر وأبطن، وأخفى عنهم وأكن؛ وذلك فقد يكون مكرا من الله بهم؛ استهزاء واختداعا من الله لهم صاغرين؛ فلذلك كان الله سبحانه خادعا لمن خدعه، لا مخادعا ولا مخدوعا، وكان قلب من خادعه سبحانه عن العلم بمكر الله مقفلا مطبوعا، ليس لله فيه(١) حذار، ولا لهم عن مكره ازدجار، حتى يدهاه من أخذ الله دواهيه، وهو لا يوقن بأن شيئا منها يأتيه، كما قال الله سبحانه: {فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون}.
(١) «فيه» خبر، و «لله» متعلق بـ «حذار».