قوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين 8 يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون 9 في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون 10}
  وضلالهم - هو: بما يزيد نبيه صلى الله عليه وآله من الوحي والبرهان، وتنزيل ما نزل من القرآن، الذي به مرضت قلوبهم، ومنه دويت صدورهم؛ فكلما زاد الله منه نبيه تبيانا وعلما، وخيرا وفضلا وحكما - ازداد لذلك مرض قلوبهم تراكما، وزادهم الله بتنزيل الحق غيظا وغما.
  وقد يكون ذلك المرض حل في قلوبهم؛ لشدة الحسد منهم لنبيهم صلى الله عليه، على ما جعل الله من البركات واليمن في كل الحالات لديه، ولما خصه الله به دونهم، وآثره به سبحانه عليهم، من هبوط الملائكة نحوه، وما عظم به الله له خطره وقدره، فجعله الله صفيا يوحى إليه، وينزل إليه وحيه بفرائضه عليه، وما خصه به من أن جعل طاعته - له طاعة، ومعصيته - له معصية؛ فقال: {من يطع الرسول فقد أطاع الله}[النساء: ٨]، وقال: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول}[النساء: ٥٩، ومحمد: ٣٣]، وقال سبحانه: {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}[الحشر: ٧]، وقال: {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار}[الفتح: ١٧].
  فلما أن رأت قريش هذه الكرامات البينات النيرات، التي لا يقدرون على دفعها، ولا يأتون أبدا بمثلها - اشتد لذلك حسدها لرسول رب العالمين، وعهدوا عليه وعلى من تبعه من المؤمنين، فمنعه الله منهم، ورد حسدهم وبغيهم في نحورهم، فنصبوا له المحاربة، وطالبوه أشد المطالبة، فردهم الله بغيظهم، كما قال سبحانه: {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا}[الأحزاب: ٢٥]، وذلك حين تحزبت قريش والعرب، وطلبوا رسول الله صلى الله عليه وآله غاية الطلب، فكفاه الله في ذلك اليوم والمسلمين القتال بأخيه ووصيه، علي بن أبي طالب، أفضل المستشهدين، فقتل عمرو بن عبد ود اللعين، وكان عماد المشركين وفارس المتحزبين، فانهزم بقتله جميع الكافرين، وفل الله حد المبطلين، وأظهر دعوة المحقين، ونصر رسوله