قوله تعالى: {الله يستهزئ بهم}
  واستكبروا استكبارا}؛ فهم الذين فعلوا من الخلاف بما دعاهم اليه نوح؛ فجاز أن يقول نوح إن دعاءه إياهم الذي زادهم فرارا وكفرا وانكارا.
  ويحقق ذلك: قوله سبحانه في آخر الآية: {ولهم عذاب أليم بما كانوا يكسبون}.
  هذا تأويل هذه الآية وكل ما في القرآن يشبهها، والحمد لله.
  · قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِم}[البقرة: ١٥]
  قال في البساط للإمام الناصر الأطروش #:
  مسألة في معنى: {الله يستهزئ بهم} الآية:
  وكذلك ما تضل به المجبرة من قول الله سبحانه: {الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ١٥}، فيرون أن ذلك كاستهزاء العباد بعضهم ببعض، وإنما ذلك الاستهزاء من الله بهم: أنه ممهل لهم، وغير معاجل لأخذهم، وأنه عالم بما سينالهم من عقابه، وأليم عذابه على سوء أفعالهم، وذلك فمثل ما يعرفه العرب من تصرف معاني الكلام فيما بينهم؛ فلو أن رجلا استهزأ برجل وسخر منه، واحتمل الآخر منه، ووكله الى عقاب الله، وأخذه له منه بظلمه إياه - لجاز أن يقول قائل للمستهزئ: «لا تظن أنك تستهزئ بفلان؛ فإنه هو المستهزئ والساخر منك؛ لاحتماله وتغافله عليك، وأخذه له بحقه منك، بما أعده الله للمستهزئين الظالمين، من العقوبة والنكال وسوء العاقبة». وكذلك لو كان لرجل عبد يستهزئ ويخالف أمره، فينهاه مولاه عن ذلك، فلا ينتهي - لجاز أن يقول له مولاه: «أمهلتك لأعاقبك على فعلك بما تستحقه، وإنما حلمي عنك؛ لأني لا أخاف أن تفوتني بجرمك»؛ فعلى هذا المعنى الاستهزاء من الله سبحانه في جميع ما ذكره من كتابه.