قوله تعالى: {ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء}
  وجل فيما قالوا عليه، فقال: {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون}؛ فلو كانت أفعال العباد بقضاء من الله ø، كما يقول الجاهل - ما أكذبهم الله فيما ادعوه عليه؛ ولكنهم مخيرون في أفعالهم، غير مجبورين على أعمالهم، فسبحان من لا يظلم العباد! ولا يقضي عليهم أبدا بفساد!
  وقد يكون أيضا من الضلال: الخذلان، على ما يكون منهم من الجرأة والعصيان، فإذا كانوا كذلك وقع عليهم اسم الضلال، ولزمهم الخذلان؛ وليس هو سبحانه يجبرهم على معصية، ولا يخرجهم من طاعة، ولو كان ذلك كذلك لكان فعله لا فعلهم، وكانت إرادته لا إرادتهم، ولم يكن لهم في ذلك ذنب فيذمون عليه، ولا عمل فيعاقبون فيه؛ عز عن ذلك ذو العزة والسلطان؛ بل هو بريء من أفعال العباد، متعال عن الظلم والفساد؛ وكيف يقدر أحد أن ينسب معاصي العباد إلى الله سبحانه، وهو يقول في كتابه: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار}؟! فلو كان التنزيل من الله ø بقضاء عليهم - ما نسبه إليهم، ولا قال: {بدلوا نعمت الله كفرا}، فلما أن كان الفعل لهم ذكرهم به، ونسبهم إليه، وفي ذلك ما يقول سبحانه، وجل عن كل شأن شأنه: {ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، فكان بدو النعم والإفضال من الله عليهم، وكان التغيير منهم لا منه؛ فذكر ø: تغييرهم لما أنعم الله عليهم به، ولو كان منه لنسبه إلى نفسه، وما ذمهم على فعله؛ وفي ذلك ما يقول سبحانه: {وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله}؛ أفيقول الكذاب: لووا ألسنتهم به، وقضى عليهم بالكذب عليه، فإن قال بذلك قائل كان من الظالمين، ولعذاب الله من المستوجبين؛ لأن الله سبحانه ينفيه عن نفسه، وينسبه إليهم، والله يقول الحق،