قوله تعالى: {ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء}
  ويأمر بالصدق، ويذم على الكذب، ويقول ø: {ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا}؛ فهذا قوله للمخلوقين، وذمه لهم على رميهم بخطاياهم المسلمين؛ فكيف يجوز على رب العالمين: أن يقضي على خلقه بقضاء، وينزل فيهم أمره وما يشاء، ثم ينسبه إليهم، ويحيله عليهم، ويعذبهم عليه، ويذمهم أشد الذم؟!
  ومن ذلك ما يقول سبحانه: {قل أرءيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل ءالله أذن لكم أم على الله تفترون}، فقال: {جعلتم منه حراما وحلالا}؛ فلولا أن لهم فعلا قد تعدوا فيه - ما قال: {جعلتم}، ولقال: «خلقت» , وما قال ø: {قل ءالله أذن لكم أم على الله تفترون}؛ فأخبر تبارك وتعالى: بافترائهم عليه، ومخالفتهم له؛ فكيف يجوز لأحد من المسلمين: أن ينسب إلى الله أفعال الظالمين؟! فهو سبحانه يبرئ نفسه من ذلك في كتابه المستبين؛ فما يقول ببذلك إلا من كانت حاله كما قال الله: {فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعلمون}.
  ولعمري: إن من اتبع المتشابه، وخلى المحكم - لكما قال الله سبحانه: {يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}، وإن من تعلق بآية متشابهة، ثم فسرها بجهله، وقاسها بعقله - لبعيد الصواب، ناء عن الحق والجواب، يخبط أبدا في عشواء مظلمة، ويحكم الآيات المتشابهات على الأمهات المحكمات؛ ولقد أخبر الله عنهم، وعن ما يكون من فعلهم، فقال: {يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة}، والفتنة فهي: إهلاك المسلمين وتضليلهم، وتحييرهم عن الحق؛ فعابهم الله سبحانه بذلك.
  الكتاب فإنما هو نور وبيان، وهدى وبرهان، يهدي به الله من الحيرة، وينقذ به من الهلكة، وليس من آية متشابهة إلا وفي كتاب الله تحتها آيات كثيرة محكمات،