تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون 82}

صفحة 397 - الجزء 2

  إرساله بما لم يمن على آبائهم بمثله.

  ثم قال لا إله إلا هو، منبئا عن علمه بكل غيب خبرا صادقا: أنه يملأ جهنم من عصاة الجن والإنس، وأن هذا القول والخبر كان على أكثر أهل الجاهلية متحققا: {لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون}، فكذلك كان أهل الجاهلية؛ إذ هم للنبي ÷ مكذبون.

  ثم أخبر عن عقابه لهم بكفرهم وتكذيبهم في يوم الدين، ومثله لرقابهم بالأغلال التي جعل بعضها على بعض إلى أذقانهم: {فهم مقمحون ٨ وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ٩}، وهذا السد - والله أعلم - الذي من بين أيديهم ومن خلفهم هو: ما يغشى الكفار والمنافقين، من الظلام في موقفهم يومئذ، حتى يظلم بغشاوته أبصارهم، وهو حين تنكسف الشمس والقمر، وتطمس النجوم، فيقع الظلام بزوال الأنوار في ذلك اليوم، وحينئذ ما يحتاج المؤمنون إلى النور، فيجعله الله من بين أيديهم وبأيمانهم؛ ليأنسوا به ويبصروا، ويأمنوا ويطمئنوا ولا يرتاعوا، ويومئذ {يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا}، وهم من بين أيديهم: {انظرونا}، يعنون: انتظرونا {نقتبس من نوركم}، وحينئذ يقال لهم تبكيتا وتوقيفا على حرمان الله إياهم كل ما يطلبون: {ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا}.

  ثم قال سبحانه بعد خبره عن جعل الأغلال في أعناق الكافرين، وملء رقابهم بها إلى الأذقان، حتى هم لرؤوسهم إلى الأذقان مقمحون، والمقمحون فهم: الذين للرؤوس⁣(⁣١)، ونبأ سبحانه عن علمه للغيب، الذي يحيط بما كان وما يكون، فقال: {وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون}، يعني سبحانه: أن الإنذار بأخبار القيامة، وترك الإنذار عندهم سواء؛ لما هم عليه من


(١) مقمحون، أي: مرفوعة رؤوسهم، لا يستطيعون خفضها. اهـ من تعليقة على النسخة الخطية.