قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون 82}
  إنما هي يد لا كالأيدي، والله لا شريك له يجل ويعز ويتعالى عن الأعضاء والأوصال؟! وهو يقول في كتابه المحكم المبين، ما يدل في هذا المعنى على إكذاب من توهم في اليد تشبيها من المشبهين، إذ يخبر ø كيف يخلق ما أراد خلقه بقدرته، فقال: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون}[النحل: ٤٠]، فهو سبحانه يخبر أن جميع ما أراد خلقه - بلا معاناة يدخل فيه بتكلف يتكلفه، وإنما يكون ما أراد صنعه بكلمة، أسرع الكلام في المعقول والأفهام، كسرعة لمح الطرف من الأبصار، وهو: «كن»؛ فسبحان من جل وتقدس، وعلا عن أن يكون له شبه، أو يضرب له مثل به مثلا، أو يتوهم محتاجا لعظمته إلى أن يزاول بيد أو بنان عملا، جل وتقدس عن الأعضاء الموصلة من اليد والبنان، وعن شبه من لا يعقل - ﷻ وعظمته - له بالإنسان.
  ثم أخبر سبحانه عن تمليكه لهم الأنعام، إذ جعلهم لها مالكين، يفعلون فيها ما يشاؤون، وذكر تذليله لها، مع عظم خلقها، وشدة أسرها وأوصالها، وغلبتها لما هو أعظم قوة ضعافا من الإنسان، فأمن غضبها وصيالها، وذللها سبحانه مع هذا كله من أمرها للإنسان، فبلغت في الذل والذلة، والإقبال والتصرف لضعف الصبيان، يقول الله سبحانه عند ذكر تذليله لها: {وذللناها لهم فمنها ركوبهم}، والركوب للإبل فهي: الراحلة، فمنها لعمري - كما قال الله سبحانه - ركوبهم التي يركبون، وبها وبركوبها على أسفارها البعيدة يقوون؛ لأنها في الأسفار من أفضل ما به يتبلغون، وغيرها من الدواب وإن ركب لا يقوى على ثقال الأحمال، ولا يصبر في السفر على طول المدة من انقلاب الأيام والليالي على مثل ما يطيقه ركوب الآبال، والركوب في عربي اللسان من الإبل - فهو: ما ذل وركب وحمل، وكذلك الحلوب التي تسميها العرب فهي: المحلوبة التي تحلب. ثم قال الله الجواد الكريم، الذي لا يبلغ جوده وكرمه ورحمته جواد ولا رحيم: {ومنها يأكلون}، فهي لعمري عند العرب من أفضل ما يأكلون، وأطيبه لحما،