نهج البلاغة (خطب وكلام أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب (ع))،

محمد بن الحسين الشريف الرضي (المتوفى: 406 هـ)

192 - ومن خطبة له # تسمى القاصعة

صفحة 291 - الجزء 1

  مُسْتَضْعَفِينَ قَدِ اخْتَبَرَهُمُ اللَّه بِالْمَخْمَصَةِ وابْتَلَاهُمْ بِالْمَجْهَدَةِ وامْتَحَنَهُمْ بِالْمَخَاوِفِ ومَخَضَهُمْ بِالْمَكَارِه فَلَا تَعْتَبِرُوا الرِّضَى والسُّخْطَ بِالْمَالِ والْوَلَدِ جَهْلًا بِمَوَاقِعِ الْفِتْنَةِ والِاخْتِبَارِ فِي مَوْضِعِ الْغِنَى والِاقْتِدَارِ فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَه وتَعَالَى {أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِه مِنْ مالٍ وبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ} فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانَه يَخْتَبِرُ عِبَادَه الْمُسْتَكْبِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ بِأَوْلِيَائِه الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي أَعْيُنِهِمْ.

  تواضع الأنبياء

  ولَقَدْ دَخَلَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ ومَعَه أَخُوه هَارُونُ # عَلَى فِرْعَوْنَ وعَلَيْهِمَا مَدَارِعُ الصُّوفِ وبِأَيْدِيهِمَا الْعِصِيُّ فَشَرَطَا لَه إِنْ أَسْلَمَ بَقَاءَ مُلْكِه ودَوَامَ عِزِّه فَقَالَ أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَيْنِ يَشْرِطَانِ لِي دَوَامَ الْعِزِّ وبَقَاءَ الْمُلْكِ وهُمَا بِمَا تَرَوْنَ مِنْ حَالِ الْفَقْرِ والذُّلِّ فَهَلَّا أُلْقِيَ عَلَيْهِمَا أَسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ إِعْظَاماً لِلذَّهَبِ وجَمْعِه واحْتِقَاراً لِلصُّوفِ ولُبْسِه ولَوْ أَرَادَ اللَّه سُبْحَانَه لأَنْبِيَائِه حَيْثُ بَعَثَهُمْ أَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ كُنُوزَ الذِّهْبَانِ ومَعَادِنَ الْعِقْيَانِ ومَغَارِسَ الْجِنَانِ وأَنْ يَحْشُرَ مَعَهُمْ طُيُورَ السَّمَاءِ ووُحُوشَ الأَرَضِينَ لَفَعَلَ ولَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ الْبَلَاءُ وبَطَلَ الْجَزَاءُ،