نهج البلاغة (خطب وكلام أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب (ع))،

محمد بن الحسين الشريف الرضي (المتوفى: 406 هـ)

192 - ومن خطبة له # تسمى القاصعة

صفحة 293 - الجزء 1

  وَضَعَه بِأَوْعَرِ بِقَاعِ الأَرْضِ حَجَراً وأَقَلِّ نَتَائِقِ الدُّنْيَا مَدَراً وأَضْيَقِ بُطُونِ الأَوْدِيَةِ قُطْراً بَيْنَ جِبَالٍ خَشِنَةٍ ورِمَالٍ دَمِثَةٍ وعُيُونٍ وَشِلَةٍ وقُرًى مُنْقَطِعَةٍ لَا يَزْكُو بِهَا خُفٌّ ولَا حَافِرٌ ولَا ظِلْفٌ ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ # ووَلَدَه أَنْ يَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ نَحْوَه فَصَارَ مَثَابَةً لِمُنْتَجَعِ أَسْفَارِهِمْ وغَايَةً لِمُلْقَى رِحَالِهِمْ تَهْوِي إِلَيْه ثِمَارُ الأَفْئِدَةِ مِنْ مَفَاوِزِ قِفَارٍ سَحِيقَةٍ ومَهَاوِي فِجَاجٍ عَمِيقَةٍ وجَزَائِرِ بِحَارٍ مُنْقَطِعَةٍ حَتَّى يَهُزُّوا مَنَاكِبَهُمْ ذُلُلًا يُهَلِّلُونَ لِلَّه حَوْلَه ويَرْمُلُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ شُعْثاً غُبْراً لَه قَدْ نَبَذُوا السَّرَابِيلَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وشَوَّهُوا بِإِعْفَاءِ الشُّعُورِ مَحَاسِنَ خَلْقِهِمُ ابْتِلَاءً عَظِيماً وامْتِحَاناً شَدِيداً واخْتِبَاراً مُبِيناً وتَمْحِيصاً بَلِيغاً جَعَلَه اللَّه سَبَباً لِرَحْمَتِه ووُصْلَةً إِلَى جَنَّتِه ولَوْ أَرَادَ سُبْحَانَه أَنْ يَضَعَ بَيْتَه الْحَرَامَ ومَشَاعِرَه الْعِظَامَ بَيْنَ جَنَّاتٍ وأَنْهَارٍ وسَهْلٍ وقَرَارٍ جَمَّ الأَشْجَارِ دَانِيَ الثِّمَارِ مُلْتَفَّ الْبُنَى مُتَّصِلَ الْقُرَى بَيْنَ بُرَّةٍ سَمْرَاءَ ورَوْضَةٍ خَضْرَاءَ وأَرْيَافٍ مُحْدِقَةٍ وعِرَاصٍ مُغْدِقَةٍ ورِيَاضٍ نَاضِرَةٍ وطُرُقٍ عَامِرَةٍ لَكَانَ قَدْ صَغُرَ قَدْرُ الْجَزَاءِ عَلَى حَسَبِ ضَعْفِ الْبَلَاءِ ولَوْ كَانَ الإِسَاسُ الْمَحْمُولُ عَلَيْهَا والأَحْجَارُ الْمَرْفُوعُ بِهَا بَيْنَ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ ويَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ ونُورٍ وضِيَاءٍ،