أيام أبي جعفر المنصور
  أظهر. وانتهيت إليه في اليوم الثالث عند صلاة الفجر، فلما رآني بكيت ووثب إليّ وسيفه بيده فقال لي: مه، ما وراءك يا أبا عبد الله؟ وما يبكيك؟ وما خلفك؟ قلت: الخير، قال: ما مع البكاء خير، فأخبرته بما لقيته من المسالح، والأيمان، فقال لي: أهذا الذي أبكاك؟ قلت نعم، قال: يا أبا عبد الله أمسك عليك أهلك، ومالك، ومملوكك، فإذا لقيت الله ø غدا فقل: إن إبراهيم بن عبد الله أمرني بالمقام على ذلك الوفاء، والله لهم بأيمانهم كفر.
  حدثنا محمد بن العباس اليزيدي(١) على سبيل المذاكرة، قال: حدثني عمي، عن أبيه، عن جده أبي محمد اليزيدي - فيما أرى -، قال:
  كان إبراهيم بن عبد الله جالسا ذات يوم فسأل عن رجل من أصحابه، فقال له بعض من حضر: هو عليل والساعة تركته يريد أن يموت، فضحك القوم منه، فقال إبراهيم: والله لقد ضحكتم منها عربية، قال الله ø: {فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ}(٢) يعني يكاد أن ينقض.
  قال: فوثب أبو عمرو بن العلاء(٣) فقبل رأسه، وقال: لا نزال والله بخير ما دام مثلك فينا.
  * * *
  حدثنا أحمد بن عبيد الله(٤) بن محمد بن عمّار الثقفي، قال: حدثني علي ابن محمد النّوفلي، عن أبيه، محمد بن سليمان:
  أنّ إبراهيم بن عبد الله نزل على المفضّل الضبّي في وقت استتاره - قال: وكان المفضل زيديا - فقال له إبراهيم: ائتني بشيء من كتبك أنظر فيه، فإن
(١) في ط وق «البريدي» واليزيدي نسبة إلى يزيد بن منصور الحميري، كان محمد إماما في النحو والأدب ونقل النوادر وكلام العرب، وقد استدعاه المقتد بالله إلى تعليم أولاده فلزمهم مدة. وتوفي يوم الأحد أول الليل لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادي الآخرة سنة عشرة وثلاثمائة، وعمره اثنتان وثمانون سنة وثلاثة أشهر، راجع ابن خلكان ١/ ٥٠٢ وبغية الوعاة ١/ ٥٠، وتاريخ بغداد ٣/ ١١٣.
(٢) سورة الكهف ٧٧.
(٣) توفي أبو عمرو سنة أربع وخمسين ومائة كما في المعارف ص ٢٣٥.
(٤) في النسخ «عبيد الله».